من توزيع المنشورات السرية في زمن حظر الأحزاب، وإسعاف الجرحى إبان التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، إلى «منصة» خفيفة وسريعة للاغتيالات... تنوعت أدوار الدراجة النارية في اليمن، لكنها تبقى المعيل الرئيس لمئات الأسر الفقيرة باعتبارها الوسيلة الأسرع والأرخص لحل مشكلة زحمة السير. وأطلقت السلطات اليمنية حملة شاركت فيها وحدات من الشرطة والجيش، واستهدفت «مكافحة» الدراجات النارية التي تفيد السلطات اليمنية بأنها استخدمت في 66 عملية اغتيال سياسي شهدها اليمن خلال العام 2012 وقتل فيها أكثر من 40 عسكرياً، إضافة إلى مدرّس أميركي. وعلى رغم اتساع نطاق الحملة، فإن يمنيين كثراً لا يرون فيها سوى رد فعل على التهديد الذي باتت تمثّله الدراجة لحياة الشخصيات الرسمية، مؤكدين أن الحملة لن تحل مشكلة المركبات التي تحصد سنوياً آلاف الأرواح. وتشير إحصاءات سلطة المرور إلى وفاة 478 شخصاً وإصابة ثلاثة آلاف و357 آخرين خلال 2012، في حوادث سير تسببت فيها الدراجات النارية. ويقول الدرّاج، ناصر شوعي، إن «الدراجات المستخدمة في الاغتيالات لن تخرج الآن، فأصحابها ليسوا أغبياء»، مؤكداً أن الحملة لن تطاول سوى دراجات تشكل مصدر رزق للأسر الفقيرة. علماً أنه مشكوك في قانونية الكثير من الدراجات على الطرق، خصوصاً في غياب دليل على أن المستخدم منها في الاغتيالات غير مسجّل رسمياً، وباب التهريب ما زال مفتوحاً. ويُعدّ اليمن من أقل الدول تطبيقاً لقواعد السير، ويحدث أحياناً أن يستقل ثلاثة أشخاص دراجة نارية واحدة. وقلما يلتزم الدرّاجون خطوط السير والسرعة القانونية، ناهيك باعتمار الخوذات أو صيانة دراجاتهم التي تنفث عوادمها أدخنة وأبخرة تلوّث الأجواء. وبات أمراً عادياً، حتى عند شرطة المرور، أن تسلك الدراجات اتجاهاً معاكساً للسير، وتتجاوز الإشارات. تؤكد الإحصاءات وقوع نحو 12 ألف حادث، خلال السنوات الست الماضية، نتيجة استخدام الدراجات النارية. ويقول الموظف الحكومي أحمد عباس إن «مشكلة الدراجات المخالفة تعود إلى عقود، وما حصل أخيراً أنها صارت تهدد الطبقة الحاكمة». وتفيد مصادر أمنية بأن مشكلة مؤسسة الأمن مع الدراجات النارية «ليست نقصاً في الكوادر أو الإمكانات، وليست خللاً في التشريعات، بل تغلغل الفساد داخلها». وحذّر قادة أمنيون من الظاهرة الخطيرة المتمثلة في حمل العديد من سائقي الدراجات النارية مسدسات وقنابل. ويندغم الفساد في اليمن بظاهرة المحسوبية وشيوع الولاء لزعامات قبائلية ومذهبية، ما يفسّر انقسام مؤسستي الجيش والأمن، وغالباً ما يطبّق القانون على الفئات المدنية غير «المسنودة». في حين يتفشّى تهريب الدراجات، لا سيما الرخيصة الصينية الصنع والمخالفة للمواصفات. ويرى مراقبون أن الدراجة وسيلة هامشية في صراع أكبر، بل يتحدث البعض عن «دعم لوجستي» للدراجات المستخدمة في الاغتيالات. ويروي نائب برلماني واقعة تدخلت فيها سيارة بلا لوحة تسجيل لإسعاف أحد مسلّحَين على دراجة نارية بعدما هاجما نقطة عسكرية في أبين. وترى الطالبة الجامعية جميلة حسين أن مشكلة الدراجات النارية «تجسّد نمطاً اقتصادياً وسياسياً يمنياً... فإن استطاعت السلطات ضبط فوضاها، عندئذ فقط يمكن أن نأمل في يمن جديد».