لم تعد أقدم منطقة في مدينة جدة أو ما يطلق عليها ب«المنطقة التاريخية» مسرحاً للماضي وتراثاً أصيلاً يتعرف من خلالها الزائرون على وجه جدة الأصيل، بيد أن المنطقة أصبحت ملاذاً لترويج الأفلام الإباحية من خلال باعة مجهولين يستهدفون زائريها ويقدمون لهم عروضاً مغرية وبأسعار رخيصة كل ما يهدم الشرف والأخلاق الحميدة. فبعد سلسلة من انهيارات المباني ومآسي الدمار الذي يلف المنطقة التاريخية، إضافة إلى الإحباط الذي أصاب أهالي المنطقة من تردي الحال التي آلت إليها، يزداد الأمر سوءاً بعد انتشار من يروجون للرذيلة بين أزقتها وأحشائها الداخلية، إذ يمارسون وبكل جهر وعدم خوف بيع «الأفلام الإباحية»، ضاربين برقابة الأجهزة الأمنية عرض الحائط، مستهدفين شريحة الشبان للتأثير عليهم ومحاولة أفسادهم، وتشويه حاضر البلد وتاريخ المنطقة العريق. ويخشى كثير من أهالي المنطقة التاريخية أن يسدل الستار عن وجه جدة العتيق بمظهرها الأثري الأصيل، لتتحول إلى مزار يقصده كل من أراد إشباع غريزته الجنسية أو فكر في ترويج الخبث وإفساد الشبان على وجه الخصوص، مشددين على ضرورة رقابة هذه الفئة من الباعة المتجولين وتفتيشهم واتخاذ الإجراء اللازم فيمن يضبط وبحوزته أفلام الرذيلة. «الحياة» تجولت في المنطقة التاريخية في حي البلد، ورصدت طرق بيع الأفلام الإباحية والمخابئ التي يستخدمها الباعة لترويج بضاعتهم تارة، وتسجيل هروبهم من المنطقة بعد دهم فرق المراقبة تارة أخرى، ومن الملاحظ أن عملية الحصول على نوعية هذه الأفلام لم تعد مهمة صعبة، وعند التجول في المنطقة المخصصة لبيع الأفلام يلحظ المار وقوف بائعي الأفلام جنباً إلى جنب في استقبال زبائنهم بنظرات تتفحص ما وراء الزبون، وتحدد مقصده الحقيقي، خشية أن يكون أحد أفراد الأجهزة الأمنية. وبعد أن يتأكد الباعة من زائر المكان ويشعرون بالأمان تجاهه يبدؤون في مناداته والترويج لبضاعتهم بطرق احتيالية، وإيهامه أنهم يبيعون أفلاماً حديثة ما زالت لم تغادر دور السينما، وعند السؤال عن نوعية تلك الأفلام تأتيك الإجابة الصاعقة «لدي أفلام ثقافية»، وتعتبر هذه الجملة هي الشفرة المستخدمة الدالة على الأفلام الإباحية. ولمعرفة طرق وأساليب مروجي «الأفلام الإباحية»، تمت عملية شراء فيلمين تبلغ كلفة الواحد نحو 20 ريالاً، ليتجه البائع إلى مخبئه السري داخل أحد عدادات الكهرباء ليلتقط منه بضاعته، طالباً عدم اللحاق به والبقاء في نفس المكان لحين إحضار الطلب. وأوضح أحد مروجي الأفلام الإباحية من الجنسية الأفريقية أن «البضاعة تصلني من أحد الأشخاص لا أعرفه شخصياً، وأتسلم منه نحو20 فيلماً لأبيعها على الزبائن»، لافتاً إلى أن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينفذون جولات دهم للمنطقة في بعض الأحيان، بيد أنها لا تضبط شيئاً بحوزتنا بسبب أننا نتركها في المخزن السري. من جهته، أكد المدير العام لوزارة الثقافة والإعلام في منطقة مكةالمكرمة سعود الشيخي أن الوزارة تسيّر مراقبين للتفتيش عن البيع المخالف في المحال والأسواق التجارية، موضحاً أن الوزارة تنفذ عمليات مصادرة للأفلام المقلدة والمخلة بالآداب بين الفينة والأخرى، وتعمل على إتلافها بالاشتراك مع جهات رسمية تعمل عبر جدولة توضع بالتعاون معها، وتسهم هذه الجهات كثيراً في الجولات التي تنفذها الوزارة. وبين الشيخي وجود غرامات مالية تُفرض على عمليات البيع المخالفة للأنظمة في المحال التجارية المرخصة، إذ يتم إقصاء المحل المزاول للنشاط المخالف عبر الجهة المعنية في وزارة الثقافة والإعلام، لافتاً إلى أن هذه الأنشطة المخالفة تعد أحد أنواع الغزو الفكري الذي يمارسه ضعفاء النفوس لتدمير الشاب السعودي ولا يستهدفون الحصول على المردود المادي فقط.