إذا صح القول إن الاعتراف بالآفة مقدمة أو مدخل لعلاجها، فإنه في بلادنا لم يصح، على رغم كثرة الصياح، هذه المقولة أصيبت بالحمى لدينا. خذ الفساد على سبيل المثال في بلادنا، لم يبق أحد ليصرح بخطورة الفساد، من القمة إلى القاعدة، وصل الأمر إلى كشف نهشه في الأجهزة الحكومية، ومع ذلك لم تتقدم مكافحته قيد «نملة»، بل إن الواجهة الكبيرة لجهاز المكافحة تقزم، مثل عقلة الإصبع، بقي في حاضنة خطابات «لا تودي ولا تجيب»، أصبح يتحدث عن حفرة هنا، ومظلة شمسية هناك. أحد الأصدقاء في «تويتر» أشار إلى شفافية الفساد في بلادنا، الحقيقة أنه شفاف جداً، وهذا من خصوصياتنا، وجهه القبيح ليس بحاجة إلى دعك ولا ليفة أو غسول مركز، مسامات جلده بائنة تتنفس بلهفة ليظهر ويبان. فالمؤكد أن عليه الأمان. لتأتي بين عام وآخر سيول تعريه أكثر فأكثر! على رغم حوادث ومآس أحدثتها السيول، إلا أن لها جانباً إيجابياً غير ما عرف عن المطر، هو تعرية الفساد، السيول كشفت الذمم، فضحت الفشل والإخفاق، تهاوت الشهادات والمسؤوليات أمام أمواجها. كلت الأمطار والوديان من فضح الفساد، هذه النعمة المهداة لم تستثمر، بقيت ملفات كارثة سيول جدة تذهب وتجيء، ومرت السيول في الرياض، وها هي تبوك تئن، وطرقاتها تعلن بشفافية عن المسؤول والمقاول والمتعهد والمهندس. العلاج باللجان لن يحقّق فائدة، ولا المكافحة بالخطابات والطلبات، هي مجتمعة أصبحت كائناً متكوماً حول ذاته، مشروع جديد له تكاليفه والعاملون عليه، الواقع الآن يفرض استحقاقات أكبر، المبادرة هنا لها الأولوية الوطنية على غيرها من مشاريع وخطط، المبادرة نحو إصلاح أعمق تجذراً وتنظيفاً، فهل هناك وعي بهذا مع أخطار أكبر تلوح في الأفق؟ www.asuwayed.com @asuwayed