الأصوات التي ارتفعت داخل حزب الليكود تطالب بنيامين نتانياهو بدفع ثمن الاخفاقات والاخطاء التي ارتكبها في سياسته الانتخابية وأدت الى تراجع الحزب بشكل كبير، قد تكون الدافع الاقوى له لأن ينهي مشاوراته مع رؤساء الاحزاب الفائزة في الانتخابات الاسرائيلية لتشكيل الحكومة المقبلة، حتى اواسط شهر آذار (مارس) المقبل. فالخسارة التي لحقت به كانت فادحة، إذ خسر بداية من التحالف مع حزب اسرائيل بيتنا بقيادة أفيغدور ليبرمان، ثم خسر عدداً من المقاعد (التحالف بين الحزبين هبط من 42 إلى 31 مقعداً، والليكود هبط من 27 مقعداً في الانتخابات الماضية إلى 22 حالياً)، ويبدو من أية تركيبة جديدة للحكومة أنه سيخسر وزارات عدة أيضاً. والعديد من وزراء حكومته حالياً سيجدون أنفسهم قد عادوا نواباً عاديين. لكن هذا ليس مصدر القلق الوحيد عند نتانياهو. فهناك من يشكك في قدرته على تشكيل حكومة ثابتة في ظل تكوين الخريطة الحزبية الجديدة في اسرائيل، فهو يريد حكومة ذات قاعدة واسعة قادرة على الصمود حتى نهاية الدورة، والأمر لن يتاح له بسهولة. وحتى رئيس الكنيست، رؤوفين ريفلين الذي يحتاج إلى نتنياهو كي يعيد انتخابه رئيساً للكنيست ويرشحه في المستقبل رئيساً للدولة، يوجه الانتقادات والتحذيرات ويقول إن الحكومة القادمة لن تصمد طويلاً والانتخابات سيتم تقديم موعدها مرة أخرى بعد سنة ونصف السنة أو سنتين على الأكثر. وهذا التصريح يشعل الضوء الاحمر في وجه رئيس الحكومة ويجعله اكثر حذراً لدى اتخاذه قرار تشكيل الحكومة واختيار الاحزاب التي سيتحالف معها. وليس مصادفة ان نتانياهو كثف اتصالاته بعد يومين من نتائج الانتخابات مع رؤساء جميع احزاب المركز واليمين، وحتى حزب العمل الذي اعلنت رئيسته شيلي يحيموفتش، انها ستبقى في المعارضة. فنتانياهو يريد حكومة ذات قاعدة واسعة لا يهزها قرار معارضة او احتجاج لأي وزير في الحكومة او نائب في الكنيست، فوضعية شبه التعادل التي افرزتها الانتخابات الاسرائيلية (61 اليمين و59 اليسار والمركز والاحزاب العربية)، تجعل اية حكومة ذات أكثرية ضئيلة معرضة للانهيار. الفزاعة الايرانية الأجواء التي تسود في اسرائيل منذ فرز نتائج الانتخابات تشير الى حزب لا يستطيع أحد أن يتجاهله، هو حزب «يوجد مستقبل»، برئاسة النجم الاعلامي يائير لبيد. فهذا الحزب نشأ فقط قبل سنة ويعتبر حزب الرجل الواحد الذي رتب قائمته الانتخابية في شكل فوقي، لكنه استطاع أن يجرف أكثر من 530 ألف صوت وفرت له 19 نائباً، كلهم بلا استثناء عديمو الخبرة في العمل البرلماني. هذا النجاح الذي لم يتوقعه أي معهد لاستطلاعات الرأي، جعل من لبيد لاعباً مركزياً في الجهود لتشكيل الائتلاف الحكومي. وقد اعتبره نتانياهو، منذ اللحظة الاولى لصدور نتائج الانتخابات، شريكاً أساسياً في الحكومة المقبلة. فكان لبيد اول من اتصل به وأول من اجتمع معه نتانياهو للبحث في التحالف. وقد حرص نتانياهو على بث روح من الثقة مع لبيد، فراح يشركه في عدد من أسرار الدولة. وأخبره بعدد من الأمور الأمنية الدقيقة في عمله كرئيس حكومة. وجعل الوضع الامني على رأس اولويات القضايا التي بحثت في الاجتماع، فعرض امامه تقرير الشاباك الذي تحدث عن ارتفاع كبير في محاولات تنفيذ عمليات في مختلف انحاء العالم ضد يهود وأهداف اسرائيلية من تنظيمات معادية في مقدمها «حزب الله» والحرس الثوري الايراني. وبحسب أحد المعلقين، فإن نتانياهو تصرف مع لبيد مثل صياد ماهر، يسمن طريدته بكل ما هو معسول ومغر. لكن نتانياهو عاد لوضع قضايا الأمن في الصدارة، ليس فقط لإغراء لبيد، بل للاستعداد للمرحلة المقبلة من مهماته كرئيس حكومة، يواجه العالم سياسته بالغضب والاشمئزاز. فهو يريد أن يظهر أي خلاف له مع العالم، على أنه دفاع عن أمن اسرائيل. ففي اول خطاب له بعد ظهور نتائج الانتخابات رفع نتانياهو الوضع الامني الى رأس اولوياته وجعل من الملف النووي الايراني عنصراً مهماً في سياسة حكومته المقبلة، ليواصل امام الجمهور الاسرائيلي سياسة التخويف التي مارسها قبل وخلال الانتخابات. فالفزاعة الايرانية تحولت عند نتانياهو مخرجاً من كل المآزق، يرفعه كلما يواجهه أحد بالانتقاد. ومع أن رئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت، فضح نتانياهو عندما كشف في مطلع الشهر أنه صرف 11 بليون شيكل (3.1 بليون دولار) خلال السنتين الاخيرتين، على الاستعداد لحرب كاذبة مع ايران، فان نتانياهو يعتقد أن بإمكانه مواصلة تضليل الاسرائيليين فيزعم بأن هناك خطراً وجودياً على اسرائيل من طرف ايران وحلفائها، ويساوي بين ايران وبين اقدام النازيين على ابادة اليهود ابان الحرب العالمية الثانية. وقد وعد بأن يبقى هذا الموضوع على رأس اهتمامات الحكومة المقبلة، تحت تسمية «التهديد الوجودي». سيناريوات لدى اختياره الاحزاب التي يضمها الى ائتلافه سيأخذ نتانياهو في حساباته هذا الموضوع ليقنع حلفاءه بأنه أهم المواضيع على اجندة الحكومة المقبلة. ولكن الناخبين الاسرائيليين كانوا أكدوا أن أهم المواضيع إسهاماً في قرار التصويت كان الوضع الاقتصادي. فالمواطنون غير مطمئنين الى أحوالهم. وهناك عجز في الموازنة العامة مقداره 39 بليون شيكل، وهناك الارتفاع الحاد في أسعار العقارات، اذ بلغت نسبته 48 في المئة، وهناك البطالة والفقر. هذه قضايا أساسية ولا تقل اهمية عن الملف النووي الايراني. وهناك ملف شائك آخر هو العلاقة مع واشنطن وأوروبا، وهناك المفاوضات مع الفلسطينيين. هذا الكم من القضايا الملحة التي تتنتظر الحكومة المقبلة يجعل مهمة تشكيلها اكثر تعقيداً في ظل نسيج الاحزاب التي تتناقض بطروحاتها السياسية من جهة، ووجود قادة احزاب عديمي الخبرة السياسية او الامنية او الاقتصادية. وفي محاولاته لتشكيل الحكومة يجد نتانياهو نفسه امام اكثر من سيناريو: - حكومة اقتصاد ومساواة في الخدمة العسكرية، وهنا يتخلى عن احزاب المتدينين ويتحالف مع حزبي «يوجد مستقبل» برئاسة يائير لبيد وحزب المستوطنين «البيت اليهودي»، برئاسة نفتالي بينيت، من دون مشاركة الأحزاب الدينية، وهذه الحكومة ستكون مغطاة من 67 مقعداً ويتوقع ان تحدث تغييراً حقيقياً في المجتمع الإسرائيلي، بخاصة أن تحالف هذه القوى علماني ولن يكون عرضة لابتزاز الأحزاب الدينية، كما يسود عادة لدى دخول هذه الاحزاب الى ائتلاف حكومي. لكن قد تسبب حكومة كهذه حالة غليان في الأوساط الدينية، وقد تتسبب في شلل في القضية السياسية. - حكومة يمين ضيقة من 61 عضواً، وبهذه الحكومة يتخلى نتانياهو عن لبيد، ويحافظ على حلفائه التقليديين من اليمين المتطرف والمتدينين. لكنها ستكون حكومة شلل وموقتة ولن تصمد طويلاً، وسيجد نتانياهو نفسه في مواجهة مع واشنطن والعالم. كما ستعاني هذه الحكومة من عجز في أداء مهماتها التشريعية وفي وجه معارضة واسعة وقوية، وستواجه عزلة عالمية بسبب طابعها الديني - القومي، مع أنها ستحظى داخلياً بتأييد الشارع اليميني. - حكومة موسعة تشمل لبيد والأحزاب الدينية وتتألف من 85 مقعداً. وتشكيل حكومة كهذه يعني جلوس احزاب الى طاولة الحكومة تحمل مواقف متناقضة، وهو ما سيؤدي الى حرب بين الأحزاب العلمانية – الليبرالية، والأطراف المتدينة، لا سيما في مسائل تتعلق بتجنيد اليهود المتدينين الذين لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي. - وهناك احتمال ضعيف، لكنه وارد وهو تشكيل حكومة وسط ويسار وأحزاب دينية من 64 عضواً. ومثل هذه التشكيلة تطرحها جهات عدة في اسرائيل ويُتوقع ان يشارك فيها لبيد، وحزب «العمل»، وأحزاب وسطية، وهي احزاب يمكنها الجلوس معاً الى جانب الاحزاب الدينية. ووفق هذا السيناريو يكون لبيد الذي لم يكن وزيراً في تاريخه رئيس وزراء. لكن، كما اشرنا آنفاً، فإن حكومة كهذه غير واقعية. ونتانياهو من جهته سيبذل قصارى جهده، بل سيستميت لتشكيل حكومة في اقصى سرعة ممكنة قبل ان يبدأ طرح إمكان حكومة وسط مع يسار.