فتح صندوق النقد الدولي خط جبهة جديداً في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط التي ما زالت تبحث عن توازنها بعد «الربيع العربي»، والتي لا يألفها كما يألف خط جبهته الأول المتمثل في أوروبا. وتُجري مصر وتونس مفاوضات مع صندوق النقد حول مساعدة مالية، فيما تحظى ليبيا الغنية بالنفط بمساعدة فنية، كما يساعد الصندوق الأردن الذي يشهد أوضاعاً هشة نتيجة انعكاسات الربيع العربي، ومنحه في آب (أغسطس) الماضي قرضاً ببليوني دولار، بينما حصل المغرب على خط ائتماني «احتياط» قيمته ستة بلايين دولار، ولكن اهتمام الصندوق بالمنطقة لا يقتصر على الجانب المالي. ونشرت المديرة العامة للصندوق كريستين لاغارد الأسبوع الماضي افتتاحية في صحيفة «فاينانشال تايمز» دعت فيها الدول العربية إلى «اتخاذ تدابير سياسية عاجلة» تحول دون تبدد الآمال التي ولدتها الثورات، كما يضاعف مساعدها ديفيد ليبتون المداخلات والزيارات إلى المنطقة. وبرر ليبتون هذه الجهود تجاه المنطقة بأنها تملك «إمكانات نمو هائلة» لا يمكن لمؤسسته تجاهلها في وقت يسجل الاقتصاد العالمي تباطؤاً، مشيراً إلى أن باستثناء القطاع النفطي، فإن الصادرات الإجمالية للمنطقة لا تتجاوز صادرات بلجيكا وحدها. ولكن يبقى أن لصندوق النقد دوافعه الخاصة، فهو كان قبل الثورات العربية من أشد المدافعين عن التقشف في المنطقة، واتهم فيها كما في أفريقيا بفرض برامج مساعدات لا تتكيف مع الواقع المحلي. وقال الباحث في «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» ببيروت إبراهيم سيف لوكالة «فرانس برس» إن «العديد من الدول العربية كانت على وشك أن تدير ظهرها لصندوق النقد»، مشيراً إلى أن الفوارق الاجتماعية التي كانت في قلب الثورات العربية «ألقيت على عاتق» صندوق النقد في بعض الأحيان. واليوم، أكد الصندوق أنه فهم الرسالة ودعا إلى برامج «محلية» تُحدّد بالتعاون مع سلطات البلد وتكون أكثر مراعاة لمسائل التباين الاجتماعي. وكان ليبتون أعلن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أن «في وقت ننخرط فيه في شكل أوثق في العمل في المنطقة، أدركنا أن علينا أن نشرح أكثر دور صندوق النقد»، مؤكداً أن المجتمع والنقابات ستُضم إلى المناقشات، إلا أن مهمة الصندوق لن تكون سهلة، وهو ما ظهر جلياً في مصر. وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي علقت سلطات القاهرة اتفاقاً أولياً حول قرض قيمته 4,8 بليون دولار بسبب اضطرابات سياسية، ومع اقتراب موعد الانتخابات في مصر وتونس، قد تحدث موجة جديدة من انعدام الاستقرار. وأقر رئيس قسم الشرق الأوسط في الصندوق مسعود أحمد أخيراً بأنه «مع الانتخابات تسود دائماً أوقات صعبة»، وإذ تعاني الدول التي تشهد مرحلة انتقالية من هروب رؤوس الأموال وتزايد العجز، فإن الأوضاع الاقتصادية تساهم في تفاقم هذه المشاكل. ولفت الباحث في معهد الشرق الأوسط الخبير السابق في صندوق النقد زبير إقبال إلى «حاجة هائلة إلى إصلاحات اقتصادية أليمة... وأي محاولة من صندوق النقد لتنفيذها ستصطدم بمقاومة شديدة». وأبلغت بعض المجموعات الدينية منذ الآن بأنها لا تؤيد المناقشات مع صندوق النقد الذي سيترتب عليه أيضاً في المستقبل تقييم سير الإصلاحات قبل صرف أجزاء جديدة من المساعدات. وقال إقبال لوكالة «فرانس برس» إن «صندوق النقد سيكون في عين الإعصار وسيعتبر مسؤولاً كلما عجز بلد في تطبيق برنامجه الإصلاحي وكلما نتجت من ذلك أزمة».