لم تعد «مواقف السيارات» مشكلة يعاني منها سكان مدينة جدة في الإجازات فقط، نظراً إلى توافد الزائرين من جميع مناطق المملكة، بيد أنها تشكل أزمة أزلية لدى سكان المدينة وزائريها على مدار العام. وأصبح الهم الأول عند قائد المركبة ليس في زحام المركبات على الطرق السريعة، إنما يتمثل في كيفية حصوله على موقف لمركبته في مدة زمنية قصيرة. وفي الوقت الذي يتحسر فيه قائد المركبة على ضياع الموقف الذي وجده فارغاً وقريباً من باب منزله بالأمس، يعتبر البعض الآخر أن حصوله على موقف مجاور لمكان قضاء حاجته ب «المعجزة»، إذ يعجز كثير من زائري المجمعات التجارية عن إيجاد موقف مماثل، ما يؤدي إلى ضياع جل أوقاتهم في البحث عن موقف عشوائي يمكنهم من استثمار الوقت المتبقي في التسوق. ولا تقتصر الإشكالية على مواقف المجمعات التجارية والمتنزهات فقط، بل طالت العمائر السكنية، الشقق المفروشة، الفنادق، وحتى المدارس والدوائر الحكومية، وأرجع بعض السكان صعوبة إيجاد المواقف بالقرب من المكان المستهدف إلى ضعف التخطيط للمنشآت العمرانية، والجهات الخدمية التي تستقطب أعداداً كثيرة من الزائرين للمبنى. وكشفت إدارة مرور جدة عن ضبطها نحو 226 ألف مخالفة وقوف خاطئ وغير نظامي خلال العام الماضي في جدة، بينما أكد المتحدث الرسمي لأمانة جدة الدكتور عبدالعزيز النهاري أن الأمانة بصدد طرح مشروع لإنشاء مواقف للسيارات يختص بالمستثمرين في مدينة جدة، في حين اقترح المستشار الهندسي الدكتور نبيل عباس حلولاً تسهم في إيجاد حل لتلك الأزمة متمثلة في توفير الأراضي المسطحة بالقرب من المبنى، أو توفير مبانٍ متعددة الأدوار التي تستوعب أعداداً كبيرة من المركبات. وأكد عضو اللجنة العقارية والتطوير العمراني في الغرفة التجارية بجدة خالد البراق ل «الحياة» أن إشكالية مواقف السيارات لن تُحل إلا بتنفيذ مشروع شبكة القطارات في السعودية، إذ هي كفيلة بحل الأزمة وتقليل عدد السيارات في الشوارع والاختناقات المرورية، لافتاً إلى أن امتلاك الأفراد للمركبات في السعودية نما بشكل مبالغ في الآونة الأخيرة، وأصبح البعض يمتلك أكثر من سيارة في حين عدم توافر مواقف كافية. وأضاف البراق: «العمائر السكنية القديمة في مدينة جدة لم يطبق عليها قانون مواقف السيارات السفلية، ولابد من إنذارهم واتخاذ إجراءات مشددة من أمانة جدة لإيجاد الحلول». سكان الأحياء يشكلون النسبة الأكبر من عمق المعاناة، إذ تركز غالبية الشكاوى في الوقوف العشوائي داخل الحي، الذي يعكس منظراً غير حضاري، إضافة إلى حرمان الكثير من ملاك المركبات من العثور على مواقف بالقرب من منازلهم. ويروي علي أبو طالب أحد سكان حي الرحاب بجدة ل «الحياة» معاناته اليومية مع موقف السيارات، قائلاً: «أصبح العثور على موقف لسيارتي من الصعوبة بمكان هذه الأيام، وبخاصة مع وجود هذه الأعداد الكبيرة التي تخرج إلى الطرقات بشكل يومي، مقترحاً على أمانة جدة توفير مواقف للسيارات في كل حي بالقرب من الحدائق العامة، أو إنشاء مواقف سفلية تحت الحدائق لاستيعاب سيارات الحي. وأضاف أبو طالب: «بعض السكان في الأحياء يتضررون من الوقوف أمام منازلهم وهذا من حقهم، بيد أن الكثيرين لا يلتزمون بالموقف المخصص لهم، في حين أن شقق العزاب التي يستأجرها شخص واحد ويسكن معه نحو ثلاثة أشخاص تكون سبباً رئيساً في مضايقتهم للمواقف الأخرى، فلو كانت العمارة تحتوي على 20 شقة فربما يكون هناك أكثر من 60 سيارة تابعة للسكان». وحول أكثر المناطق التي تزدحم فيها المركبات، أوضح المواطن عبدالله البكيري ل «الحياة» أن الإدارات الحكومية تعد من أكثر الأماكن ازدحاماً في مواقف السيارات، ويرجع سبب ذلك إلى كثرة المراجعين و قلة المساحة ما يؤدي إلى الازدحام والحوادث المرورية، إضافة إلى استخدام الأرصفة المجاورة للعمائر السكنية القريبة من الإدارة الحكومية موقفاً للمركبة ما يعكس منظراً غير حضاري. واستنكر البكيري إهمال المحكمة العامة بجدة تخصيص مواقف للمراجعين، إذ يقدر عدد المراجعين فيها يومياً بالمئات، إضافة إلى أعداد الموظفين في مبنى المحكمة. من جهته، أكد المعلم رائد العمري أن وقوف السيارات العشوائي وغير القانوني لا يعكس ثقافة وإدراك أصحابها بسبب عدم توافر مواقف لمركباتهم ما اضطرهم إلى الوقوف بهذا الشكل، منوهاً بأن توفير مواقف خاصة للسيارات في الغالب لا يتم أخذه بالحسبان أثناء التخطيط والتأسيس للشقق السكنية والعمائر التجارية. وأضاف العمري: «برغم أهمية المواقف، إلا أن حجم المشكلة يزداد يوماً بعد يوم في ظل استمرار إنشاء المخططات وبناء المباني الجديدة من دون مواقف أو بمواقف محدودة لا تفي بغرض السكان».