بإيقاع مختلف تعيش المنامة فعالياتها عاصمة السياحة العربية 2013، أماكن كثيرة تضفي على المدينة رونقاً يعبق بالتراث، مبدداً أحياناً ضغوط الهم اليومي والحراك السياسي والتدابير الأمنية. تمضي المنامة في يومياتها بين مدّ وجزر مجاورة البحر وهواءه، لياليها باردة تحض عشاق «البرّ» على ارتياده وعقد جلسات سمرهم في خيامه المدفأة. لا تخرج المنامة عن «نص السياحة العربية» دامجة الثقافي بالتربوي والترفيهي والاجتماعي، لذا فإن الأنشطة المدرجة تحمل نفحة من «كل شيء» مع عبق تراثي أحياناً، تساهم في بلورتها الأمكنة المنتقاة ومنها «باب البحرين». هذا المكان الذي شهد تطويراً بعد ترميم، البوابة العملاقة التي تدخل عبرها إلى الممشى الفسيح ومنه إلى منطقة أسواق شعبية لكل الحاجات وغنية بسلع متنوعة يصعب حصرها. يقع باب البحرين في قلب المنامة عند مدخل سوقها، صممه وبناه السير تشارلز بلغريف عام 1945، وكان مستشاراً لحكومة البحرين آنذاك وقد ضمّ مكاتبها في تلك الحقبة. وظل هذا المكان بمثابة البوابة الاقتصادية لتبادل البضائع وبيع المنتجات الواردة إلى سوق البلاد. وخضع لترميم وتجديد عام 1986 ليتناسب مع مواصفات العمارة الإسلامية التقليدية. وبات مقراً لمديرية السياحة والآثار ومكاتب شركات المشاريع السياحية التي تنظّم رحلات سياحية إرشادية في البحرين. كان الموقع مطّلاً على البحر بحسب أحد المعمرين الذي يذكر أن الأمواج كان تتلاطم قربه قبل عقود، وذلك قبل الطمر والفلش والتوسيع، على ما حصل لاحقاً على واجهة الكورنيش المقابلة ل «الميناء المالي» وعلى طول كيلومترات عدة. يقول فلاح الحايكي إن المكان «مدينة نشأت بجوار الميناء، لتلبية حاجات البحارة والتجار وطلباتهم»، وأضحت اليوم حارات عدة سكنية وتجارية، طرقها المرصوفة نظيفة على رغم اكتظاظها وتنوّع مرتاديها والقاطنين على «ضفتيها» وتشعّب أزقتها، أبنية قديمة آبت أن تتهالك، مزيج يحافظ على فرادتها أمام الحداثة والأبراج التجارية. واستعداداً لفعاليات «المنامة عاصمة السياحة العربية 2013»، خضع مبنى باب البحرين لتحوّل آخر أعاده إلى حالته السابقة مع إضافات حديثة، ونقل إليه مكتب البريد المركزي فبات في الجانب المقابل داخل نطاق الحي، ما شجّع على فتح مكاتب لشركات طيران وسفر وسياحة. اتخذ مكتب البريد من الطبقة العلوية مقراً، يمكن الوصول إليه عبر درج كهربائي أو آخر عادي بمتكآت خشبية متآلفة مع المحيط وأبواب المحلات ولافتاتها شكلاً وحجماً. وتذكيراً بالماضي وعراقته، ازدانت الجدران بصور تخلّد الحقبة الماضية، فيظهر باب البحرين وسوقها أيام الأبنية الصغيرة المتواضعة والشرفات الخشبية، والسيارات الأميركية الكبيرة الحجم التي كانت تحتل قسماً من الطريق، محدثة ازدحاماً. علماً أن الصورة الواقعية لا تختلف إذ يحتاج من يغامر ويعبر بسيارته هذه الأزقة إلى ساعات ربما حتى بلوغ العنوان المقصود، بينما «النزهة مشياً» لا تستغرق أكثر من ساعة. ويتفق سياح على تجربة التسوّق الرائعة في هذه السوق، التي يمكن أن يجدوا داخل أروقتها أكثر منتجات المملكة التقليدية، بدءاً من العطور والبخور المصنوعة من الزيت الطبيعي وحتى الأنسجة والأعمال اليدوية الراقية والعباءات والجلباب والسجاد المتقن الصنع، والمصوغات الذهبية والحلويات، إلى بضائع تقليدية وأخرى تراثية «تجارية» مقلدة من إنتاج تركيا وبلدان آسيوية عدة. لكن السلع المميزة «الأصلية» تبقى الجاذبة من دون شك.