في العام 1572، رصد عالِم الفلك الدانماركي تيكو براهيه (1546- 1601) بشكّل موثّق، ظاهرة ال»سوبر نوفا» Super Nova، بل لعله وصف نوعاً ضخماً من هذه الظاهرة الفلكيّة. واسترجاعاً، تحدّث الصينيون عن ظاهرة ال»سوبر نوفا» في كتابات فلكية قديمة نسبياً. ولكن براهيه، بفضل مرصد مدينة أورانيبورغ في الدنمارك، وثّق علمياً هذه الظاهرة، للمرة الأولى. وحينها، شوهد في سماء أوروبا نجم شعّ فجأة، ثم صار الجرم الأشد التماعاً في السماء، ليلاً ونهاراً، لمدّة 6 شهور. في المقابل، نادى عالِم الفلك الأميركي إدوين هابل، بوجود ظاهرة التوسّع الكوني Cosmic Expansion. وعام 1929، وضع هابل قانوناً يحمل إسمه عن ظاهرة توسّع الكون، ما اعتُبِر برهاناً على خطأ قول آلبرت اينشتاين ان للكون حدوداً ثابتة. وأقرّ اينشتاين بهذا الخطأ، بعد زيارة علمية للمرصد الذي عمل به هابل. وبين ذينك الحدثين، سطّر عِلم الفيزياء قوانين الديناميكا الحرارية Thermal Dynamics، وصاغها في ثلاثة قوانين أساسية. ولم يكن غريباً أن يظهر من يستبط من القانون الثاني للديناميكا الحرارية، الذي يقول ببرودة مطردة تصيب أي «نظام» مغلق وديناميكي، وان الكون سينتهي الى برودة قاتلة، بعد أن يستنفد طاقته. ومن بين جهود كثيرة، عمل فريقان علميان ضمّت صفوفهما الأميركي سول بيرلميوتر والأسترالي- الأميركي بريان شميت والأميركي آدم رييس، في الهزيع الأخير من القرن العشرين، على الربط بين هذه المعطيات، خصوصاً العلاقة بين ظاهرتي توسّع الكون وال «سوبر نوفا». ووُصِف عمل الفريقين بأنه «هزّ الأُسس العميقة لعلم الفلك المُعاصر». ولعقود طويلة، تحديداً منذ بحوث هابل، اعتقد العلماء أن الكون توسّع بصورة منتظمة منذ لحظة ولادته العنيفة في حدث «الإنفجار الكبير» («بيغ بانغ» Big Bang)، قبل قرابة 14 بليون سنة. وارتسم في ذهنهم سيناريوان متناقضان لنهاية الكون. بموجب أولهما، يصل الكون الى نهايته بإنفجارات ملتهبة لا تقلّ قسوة عن تلك التي رافقت ال «بيغ بانغ». وعلى نقيضه، يقول الثاني ان الكون يموت في غمامة من ثلج فائق البرودة. انفجارات «باردة» عمل الفريقان احدهما باستقلال عن الآخر، على دراسة نوعٍ خاص من النجوم المنفجرة «سوبر نوفا». ولأن النجوم هي شموس، فغالباً ما تكون ال «سوبرنوفا» نجوماً ضخمة، ثم تنفجر عندما تصبح طاقتها غير قادرة على تحملّ عِبء كتلتها الضخمة. ثم تنهار تلك النجوم على نفسها، في انفجار كوني ضخم تصدر عنه طاقة وأضواء فائقة التوهّج. ولكن الفريقين المذكورين، توجّها لدراسة نجوم صغيرة الحجم نسبياً (بمعنى أنها تساوي شمسنا)، تنفجر وتتحوّل الى ما يسمّيه علماء الفلك «لا سوبرنوفا» La Supernova. وغالباً ما تحدث هذه الإنفجارات الصغيرة في أطراف الكون النائية، كما أنها تكون «باردة» بالمقارنة مع الإنفجارات المماثلة في الشموش الضخمة الحجم، التي تفوق شمسنا حجماً بآلاف المرّات. وراقب الفريقان السرعة التي تبتعد بها هذه ال»لا سوبرنوفا» عن الأرض، كما راقبا ظواهر التغيير الحرارة المتصلة بها. النتيجة؟ توصل الفريقان الى 3 نتائج أساسية، دخلت علم الفلك للمرة الأولى. اكتشفا أن ظاهرة التوسّع الكوني لا تحدث بصورة منتظمة، بل تحدث بوتيرة متسارعة. وربطا أعمالهما بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، ما مكّنهما من حسم خلاف علمي مديد عبر البرهنة أن الكون يسير إلى فناء تحيطه برودة مميتة. وأكد الفريقان أهمية المادة السوداء وطاقتها، وهي لغز مديد في علم فيزياء الفلك، مشيران إلى أنها هي التي تقف في أساس توسّع الكون وطاقته، إضافة الى كونها المكوّن الأساس للمادة التي تؤلف الكون كلّه. ومنذها، تغيّرت طرق علم الفلك في رصد ظاهرة توسّع الكون. وبذا، فتحت بحوث الفريقين آفاقاً جديدة تماماً في النظر الى المادة السوداء وطاقتها.