يقول الشاعر واصفاً الورد مع حلول الربيع «يفتقها برد الندى فكأنه / يبث حديثاً كان بالأمس مكتما «وهو بيت من قصيدة شهيرة للبحتري مطلعها» أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً / من الحسن حتى كاد أن يتكلما» والأحاديث والهمس من الورد وإلى الورد عالم أجمل من كل القصائد، وأخيراً اُكتشف أنه علم له أهله من اختصاصي النبات. وبيّن العالم الجميل، والعلم الذي ربما يكون مفيداً يوماً ما، تبقى فئة من البشر، يصفهم من يحبهم بأنهم الأبعد عن البشرية والأقرب إلى الملائكية لهم مع الورد علاقة خاصة غير مفتعلة كما يحاول بعض المدعين عند حديثهم عن الورد، الذي غالباً لا يتعدى كلمة «رومانسية»، فالاعتقاد الغالب أن لغة الورد هي لغة الحب والشوق والعذاب، أو في أحسن الأحوال لغة الذوق والكناية عن الذائقة «الكلاس». هؤلاء لا يتعاملون مع الورد كطارئ «مزاجي» للرومانسية، أو واجب إنساني لمريض أو صديق، أو لفتة عصرية لمكان اجتماع أو درس أو انتداء، إنهم يتعاملون معه كأسلوب حياة، وهو في المقابل يمنحهم مع الوقت امتياز التعرف عليه، ربما لأنه يحس بمن يحسون به، فيريهم الجوانب اللامرئية، أو الأشياء «الماورائية» فيه كعطر أو شذى، أو كنبات، أو كقدرة على العيش لمدد أطول رغم قطفه، أو قصه، لأغراض التزيين أو الاقتناء. وكما أن هناك مدناً للورد، وبلدان اشتهرت بزراعة وتصدير الورد، بل وحتى محلات تتقن فنون تقديمه، فيمكنني اعتبار أن هناك بشراً للورد، ليسوا بالضرورة «الورديين» أو من يعيشون حياة وردية باتت الزهور جزءاً من ديكور منزلهم أو قاعات طعامهم واجتماعهم، لكنهم مبتلون بعشق الورد كما يبتلى العاشق المتيم الولهان، واعتباره ابتلاء لأنهم يتأثرون بصدق من عدم إعطاء الناس معشوقهم حقه من الاهتمام أو المكانة النفسية والوجدانية. الورد كائن دنيوي جميل، قيل فيه وعنه وشبه به وشبه هو ذاته بغيره ملايين الكمات والأبيات والقصص، وارتبط بثقافات ومعتقدات، لكن الجمال وحده بقي السمة التي تتمحور حولها هذه النبتة حتى لو كانت عديمة الفائدة أو الرائحة. الورد لغة للجميع، لكن ليس الجميع يصغي إلى هذه اللغة، وبعض من يصغي لا يتأثر بها، وهنا مكمن الفرق بين التعامل مع الورد كشكل، وبين التعامل معه كرمز وإيحاء ومعاني ليست بالضرورة أن تكون كلها عاطفية، وإن كان حضوره العاطفي طغى طغيان جماله وعبيره على الحياة. دورة حياة الورد قصيرة عند استخدامه، أي عند فصله من النبتة، لكن قصصه طويلة وحالمة، وتأخذ من يمنح نفسه لأجوائها بعيداً.. بعيداً جداً. [email protected]