بررت قيادة الجيش الجزائري شنّها عملية عسكرية ضد الجماعة المسلحة التي احتجزت مئات الرهائن الجزائريين والأجانب في محطة غاز في جنوب البلاد بأن «الإرهابيين» كانوا قد قرروا قبل بدء العملية «القضاء على كل الرهائن و ارتكاب مجزرة حقيقية»، مما حتّم التدخل لإنقاذ المحتجزين. ولمّحت إلى أنها بادرت في محاولة «التوصل إلى حل سلمي» قبل بداية الهجوم على المجموعة التي يقارب عدد أفرادها 30 مسلحاً. وأعلنت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أمس أن قوات الأمن تمكنت خلال عملياتها المستمرة منذ الأربعاء، تاريخ بدء حادثة منشأة تيقنتورين في عين أمناس بولاية إليزي القريبة من الحدود الليبية، من تحرير ما يقارب 100 رهينة أجنبية من بين الرهائن ال 132 المحتجزين من قبل «الجماعة الإرهابية». وكانت الوكالة ذكرت أول من أمس أنه تم تحرير أكثر من 600 من العمّال في منشأة الغاز، إضافة إلى أربعة من العمال الأجانب. لكن الغموض والتكتم بقيا سيّد الموقف في ثالث يوم من «أزمة الرهائن» في تيقنتورين (1600 كلم جنوب شرقي العاصمة)، على رغم ضغوط غربية مورست على الحكومة الجزائرية لتقديم توضيحات في شأن العملية التي نفّذتها قوات خاصة داخل منشأة الغاز. ودافعت قيادة الجيش الجزائري عن قرارها التدخل العسكري بعدما حاولت تقديم «الحل السلمي»، وفق مصادر مسؤولة تحدثت إلى وكالة الأنباء الجزائرية. وبعد يوم من الحديث عن انتهاء عملية اقتحام المنشأة، أكدت السلطات الجزائرية أن العملية لم تكن قد انتهت مع حلول المساء. لكن نشاط قوات الأمن ظل محصوراً في قسم واحد فقط من المنشأة حيث يوجد رهائن وسط المتبقين من أفراد المجموعة الخاطفة. وأفاد مصدر أمني «الحياة» أن «قوة الجيش حيّدت خطر تفجير المنشأة وما يمكن أن يؤديه من ضرر على نقل الغاز»، مشيراً إلى قتل «18 إرهابياً» من أفراد المجموعة التي اقتحمت المنشأة. وكان وزير الاتصال (الإعلام) محمد السعيد قال في وقت سابق إن القوات البرية للجيش تمكنت من القضاء على «عدد كبير» من الإرهابيين خلال الهجوم. وشدد على أن «الجزائر لن تدخل في أي تفاوض مع الإرهابيين ولن تقبل أي مساومة وستحارب الإرهاب من دون هوادة». وذكرت مصادر أمنية جزائرية أن «المجموعة الإرهابية» التي شنت الأربعاء هجومها على موقع الغاز في تقنتورين بعين أمناس تتكوّن من «قرابة ثلاثين ارهابياً من مختلف الجنسيات». وقالت إن بين الخاطفين مصريين وتونسيين وموريتانيين وليبيين ومقاتلين من النيجر، في وقت تضاربت الأنباء عن وجود فرنسي بينهم قد يكون قُتل في أول مواجهة حصلت مع الجيش، لكن مصادر أخرى قالت إن المسلح القتيل يحمل الجنسية الكندية. وقاد المجموعة جزائريان الأول هو «أبو البراء» الذي تردد أنه قُتل الخميس، والثاني هو زعيم ما يعرف ب «حركة أبناء الصحراء للعدالة الإسلامية» المدعو لمين بشنب المكنى «الطاهر». وقالت مصادر أمنية إن هذه المجموعة هي نفسها التي نفّذت هجوماً بقذائف على طائرات عسكرية في مطار «جانت» في ولاية إليزي قبل خمسة أعوام. وقالت مصادر إن الجيش الجزائري قتل أيضاً الموريتاني عبدالله ولد احميده المكنّى «الزرقاوي». وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أن المجموعة «كانت مدججة بالأسلحة لا سيما صواريخ وقاذفة صواريخ وأسلحة حربية أخرى» وأنها «كانت مصممة على فعلها الإجرامي». وأضافت: «كانت تعتزم حجز العمال الأجانب على مستوى الموقع الغازي كرهائن وتحويلهم إلى مالي من أجل ممارسة ضغوط قاسية» على البلدان المشاركة في عملية «محاربة الإرهابيين في مالي» وكذلك على المجتمع الدولي. وأضافت أن «هذه المجموعة عندما فشلت في ذلك عزمت على القضاء على الرهائن الأجانب من أجل تضخيم تأثيرها على المجتمع الدولي». وتابعت: «قد حاولت القوات الخاصة الجزائرية التي حاصرت المكان طيلة صبيحة الخميس التوصل إلى حل سلمي، غير أن الإرهابيين استناداً إلى معلومات تلقوها قرروا القضاء على كل الرهائن وارتكاب مجزرة حقيقية في موقع الغاز»، وبناء على ذلك «قررت القوات الخاصة للجيش الوطني الشعبي التي تتمتع بخبرة واحترافية بالغتين - حسبما سجلته الأوساط المهنية الدولية - الهجوم براً بهدف القضاء على هذه المجموعة التي كانت تستعد للفرار مع الرهائن والتي كانت على وشك أن تُحدث كارثة». وختمت المصادر التي يُعتقد أنها جهة أمنية رفيعة المستوى قولها للوكالة الرسمية: «أدى تدخل القوات الخاصة الذي تم في ظروف معقدة جداً إلى تفادي مجزرة حقيقية في حق مئات الرهائن ومحطات الغاز بهذا الموقع». وبث التلفزيون الرسمي عصر أمس أولى الصور لرهائن تم تحريرهم من قبضة الجماعة الخاطفة. وقال عامل جزائري: «كنا قرابة 260 عاملاً جزائرياً وأجنبياً داخل قاعة واحدة». وتابع: «كان أحد القناصة من الإرهابيين يقف عند إحدى الزوايا وفجأة استهدفته قوات الجيش فقتل على الفور». وأضاف: « قمنا حينها بكسر الباب الخلفي وتمكنا من الفرار وقد وجدنا قوات الجيش في انتظارنا». وقال عامل جزائري آخر «عند فرارنا حملنا رايات بيضاء حتى تميّزنا قوات الجيش وفعلاً تقدمنا مئات الأمتار وكانوا في انتظارنا». ونقل التلفزيون الحكومي شهادات لرعايا من الولاياتالمتحدة والنروج والفيليبين، كما بث صوراً أظهرت أن الجيش وفّر حافلات نقل للرهائن المحررين في طريقهم مباشرة للمطار، كما نقل صوراً لعناق حار بين جزائريين تنقلوا إلى المنطقة وبين مختطفين تم الإفراج عنهم. وتحدثت غالبية الشهادات عن «الدور الفعال للجيش الجزائري» رداً على أسئلة طُرحت على الرهائن المحررين حول رأيهم في «تدخل القوة العسكرية». وقالت مصادر رسمية ل «الحياة» إن قيادة الجيش الجزائري «ساءتها انتقادات شككت في جدوى تدخلها» لتحرير المخطوفين. وتحدثت هيئة طبية من بلدة عين أمناس عن أن آخر الرهائن الذين تم إسعافهم هم «بريطانيان إثنان وياباني» وقالت إنهم «في صحة جيدة»، فيما أعلنت أن حالة جزائريين إثنين «صعبة للغاية». وقال موقع موريتاني، أمس، إن «جماعة الملثّمين» المنشقة عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، بقيادة مختار بلمختار الملقب «الأعور»، عرضت التفاوض على الجزائريين والفرنسيين بشأن وقف الحرب في أزواد (مالي). وقال المصدر إن بلمختار «المكنى خالد أبو العباس» سجّل شريط فيديو مصوّراً سيرسل إلى وسائل الإعلام، يطالب فيه الفرنسيين والجزائريين بالتفاوض من أجل وقف الحرب التي تشنها فرنسا على أزواد، كما يعلن فيه استعداد كتيبته لمبادلة الرهائن الأميركيين المحتجزين لدى «كتيبة الموقعين بالدماء» التابعة له، بكل من الشيخ المصري عمر عبدالرحمن والباكستانية عافية صديق المعتقلين في السجون الأميركية بتهم تتعلق بالإرهاب. ويُعتقد أن «بلمختار» يحاول بهذه الطريقة بحث فرصة أخرى للتفاوض، بما أن السلطات الجزائرية أغلقت كافة أبواب الحوار مع الخاطفين عملاً ب «عقيدة» معروفة لديها وهي «رفض كل أشكال التفاوض مع الجماعات الإرهابية». واستقبل وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي، أمس، سفراء الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا واليابان والنمسا والنروج وكندا والاتحاد الأوروبي. وأوضح الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية عمار بلاني أن مدلسي قدّم خلال اللقاء «تفاصيل جديدة بشأن المعلومات التي قدمت في ما قبل لرؤساء البعثات الديبلوماسية المعنية ولمسؤوليهم في اتصالات هاتفية أجراها الوزير الأول عبدالمالك سلال والسيد مدلسي مع نظرائهم بخصوص وضع رعاياهم العاملين بالموقع». وكان الوزير الأول سلال قد تكفل بنقل آخر المعطيات إلى مسؤولي عواصم غربية قلقة على مصير رعاياها في عين أمناس. ونقل سلال معطيات لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ونظيره الفرنسي جون مارك أيرولت، فيما أعلنت الحكومة النمسوية أن وزير الخارجية مراد مدلسي أبلغها أن أحد رعاياها قد تم تحريره. وتعرّضت الجزائر ل «عتاب» من بعض القادة الغربيين على تدخل قوات الجيش لتحرير الرهائن عسكرياً من دون التنسيق مسبقاً معهم. وقال كاميرون في جلسة لمجلس العموم البريطاني أمس إن حكومته على تواصل تام مع الحكومة الجزائرية من أجل تأمين الإفراج عن الرهائن المحتجزين بمنطقة نفطية جنوب شرقي الجزائر، وإنه يأمل بانتهاء الأزمة خلال فترة وجيزة. ولم يحدد كاميرون عدد البريطانيين الذين يُخشى أنهم في المنشأة ويمكن أنهم صاروا رهائن في يد الخاطفين، لكن مصادر إعلامية بريطانية قالت إنهم في حدود عشرة. ورفض ابراهيم بولحية رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأمة الجزائري بعض الإنتقادات الغربية ولو أنها جاءت في شكل «استياء». وقال بولحية ل «الحياة»، أمس، إن «الجزائر دولة ذات سيادة ولا أظن أن أميركا أو بريطانيا أو فرنسا أو اليابان في حال أقدمت على قرار سيادي يخصها كانت ستستشير أحداً». وأضاف: «ما جرى في عين أمناس عملية إرهابية على الأراضي الجزائرية، لقد كانت السلطات بحسب رأيي أمام خيارين: إما ترك المجموعة الإرهابية تلوذ بالفرار برفقة الرهائن أو أن تضع حداً للخاطفين، والجزائر على العكس تماماً عملت ما في وسعها لتكون العملية قليلة الخسائر وهي تبعث رسالة للإرهابيين بأن الأرض الجزائرية ليست مستباحة وأن السيادة الوطنية خط أحمر». وفي إطار متصل، قال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا خلال زيارته لندن أمس إن المتشددين الذين هاجموا الولاياتالمتحدة ومواطنيها سيلاحقون، وأن الحكومة الأميركية تعمل على مدار الساعة لضمان عودة مواطنيها الذين احتجزوا في أزمة الجزائر بسلام. وأفيد من مصادر محلية جزائرية أن طائرة أميركية وأخرى بريطانية حطتا في مطار قرب محطة الغاز في إليزي، وتكفلت الأولى بنقل رعايا أميركيين والثانية نقلت بريطانيين وبعض الفيليبينيين. وفي واشنطن (أ ف ب)، أعلن مسؤول أميركي طلب عدم كشف اسمه الجمعة أن ازمة الرهائن في الجزائر «حساسة» و «لا تزال قائمة». وأضاف أن أزمة الرهائن «حساسة وهي لا تزال متواصلة والأولوية الكبرى بالنسبة الينا هي سلامة الرهائن». من جانبه اوضح البيت الابيض ان «فريق الامن القومي للرئيس يطلع الرئيس باراك اوباما بشكل منتظم» على تطورات الوضع في الجزائر. وتابع المتحدث باسم مجلس الامن القومي تومي فييتور «نحن على اتصال متواصل بالحكومة الجزائرية وقلنا بوضوح ان الاولوية الكبرى بالنسبة الينا هي سلامة الرهائن. وقد ناقش الرئيس الوضع مع رئيس الحكومة (البريطانية ديفيد) كاميرون البارحة».