لم أكن أود الكتابة عن أسعار الأراضي المتضخمة بعد ما قلته في الأسابيع الثلاثة السابقة. ولكن ما أعادني لها أمران، خبر وسؤال. الخبر، أو هما خبران متجاوران على الأصح، نشرتهما صحيفة «عكاظ» في «ترويستها» الرئيسة أول من أمس (الأربعاء). الأول، ينسب إلى مصدر مطلع في صندوق التنمية العقارية، قوله إن الصندوق سيقدم خلال العام الحالي 60 ألف قرض سكني جديد تبلغ قيمتها 30 بليون ريال. وهو خبر جميل ورائع بالتأكيد. إلا أن الخبر الذي يليه في الترتيب يفسد جمال الخبر السابق وروعته، ويقول: «قدّر مصدر مطلع داخل صندوق التنمية العقارية في منطقة حائل أن 96 في المئة من المستفيدين من القروض العقارية لا يملكون أراضي سكنية لبناء منازلهم عليها». وترصد نهاية الخبر، «سوقاً سوداء تتم بين المواطنين الذين يملكون أراضي سكنية ولا يملكون قروضاً من خلال شراء القرض بمبلغ يراوح من 60 ألف ريال إلى 90 ألف ريال». والصحيفة اقتصرت على حائل، ولكننا سنوسّع الرؤية، ونقول إن ما يتم في حائل شبيه بما يتم في المدن الأخرى، بحسب ما نسمع ونشاهد، وإن اختلفت النسبة. وهو ما يعني أنه مع عدم تملك المواطنين أراضي لتنفيذ القرض العقاري عليها، فإن القرض يصبح عديم الفائدة. فهو معلن وموجود، ومسجل للمواطن، ولكنه لا يستفيد منه فعلياً لعدم وجود أرضٍ، أو بالأصح لعدم مقدرة المواطن على شراء الأرض. وهذه المشكلة تتطلب تدخلاً سريعاً من وزارة البلديات ومن أمانات المدن لخفض أسعار الأراضي، ليكون في مقدرة الناس شراؤها، والاستفادة من قروض الصندوق العقاري بالبناء عليها. وما لم يتم ذلك، فالأجدى إيقاف قروض الصندوق العقارية حتى تحل مشكلة عدم وجود الأراضي. فالحاصل حالياً لا يحقق الهدف الذي تصرف من أجله القروض العقارية. السؤال، من القارئ محمد المغلوث، عبر «الإيميل». يسأل إن كان هناك ضرر من فرض ضريبة الأراضي البيضاء على محتكري الأراضي والمخططات الكبيرة؟ والإجابة، أن ما يحاول العقاريون إيصاله للناس، وهو أن فرض الضريبة سيسهم في رفع كلفة الأراضي، وسيتضرر منها المواطن لأنه هو من سيتحملها في النهاية، أمر غير صحيح. فهذا الكلام يمكن قبوله لو كانت مساحة الأراضي المحتكرة صغيرة جداً، ولكن بما أن مساحة الأراضي البيضاء تعادل 50 في المئة من مساحة مدينة الرياض، فلا يصح القول إن من سيتحملها هو المواطن. بل إن الضريبة ستكون أداة فاعلة في خفض الأسعار بدرجات كبيرة، فصاحب المخطط الأول سيبيع، والثاني كذلك، والثالث بالمثل، وهو ما يؤدي إلى زيادة العرض، وخفض السعر. ومن يرفض البيع فسيجد نفسه يخسر كثيراً لأن سعر السوق ينخفض، ودفعه الضريبة يجعله يتحمل الكلفة وحده، ولن يشتري منه أحد لو طلب أعلى من سعر السوق. وهذا أولاً. ثانياً، أن ضريبة الأراضي البيضاء تعدّ في كتب الاقتصاد والمالية أفضل أنواع الضريبة، لأنها ببساطة كلها فوائد، ولا ينتج منها ما يعرف بالتشويه الضريبي. ولشرح التشويه الضريبي، افترض أن المجتمع ينتج عشر سيارات فقط، يبيع الواحدة منها ب100 ألف ريال. فلو فرضت ضريبة نسبتها 10 في المئة على السيارة الواحدة، فما الذي يحصل؟ يصبح سعر السيارة 110 آلاف ريال، وهذا يعني أن الطلب على السيارات سينخفض، والمجتمع بعد ارتفاع السعر سيشتري فقط تسع سيارات، والمنتج ينتج 9 بدلاً من 10 سيارات. فإن كان عائد الضريبة سيذهب للحكومة لتمويل مشاريع أخرى، فهو لا يعتبر خسارة، إلا أن الخسارة المحضة على المجتمع أنه تخلى عن استهلاك سيارة، وأصبح يشتري تسعاً، بدلاً من السيارات العشر. وهو ما يعني التأثير بالسالب في رفاهية المجتمع الذي خسر من استهلاكه سيارة واحدة بعد فرض الضريبة. ولكن في ضريبة الأراضي لا يوجد هذا التشويه الضريبي، فالضريبة تذهب للصرف على المشاريع الأخرى، وعدد الأراضي لا ينخفض، فالأراضي العشر تبقى عشراً لا تزيد ولا تنقص. وبالتالي ليس هناك خسارة أو تشويه أو تأثير في رفاهية المجتمع جراء فرض الضريبة على الأرض. ولذا تعتبر ضريبة الأرض هي الضريبة الأفضل اقتصادياً، لأنها لا ينتج منها تشويه، ولا تأثير في رفاهية المجتمع بتنازله عن عدد من الوحدات التي يستهلكها جراء ارتفاع أسعارها بعد فرض الضريبة، كما في حال السيارات مثلاً. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والموازنة. ibnrubbiandr@