كتب الدكتور عبدالجليل السيف مقالين رائعين عن قيادة المرأة للسيارة، وهو الموضوع الذي قُتل بحثاً ما بين مؤيدين ومعارضين، وأوضح من خلال مقاله الجميل والواعي والراقي والمنطقي ان لا شيء يمنع من ذلك الآن، خصوصاً بعد تصريح المسؤولين في الدولة أنه شأن اجتماعي بحت، وأضاف وهو خبير المرور أن الأسباب غير المنطقية التي قيلت عن الازدحام وغيره ليست دقيقة ولا تمت للواقع بصلة. في ظل ظروف خاصة تعيش بعض النساء فيها، اما لسفر بعض الأزواج الى خارج الوطن في انتداب أو لزواجات مسيارية مسفارية أو أحياناً لظروف العمل أو لطلاقها أو لعدم وجود رجال يقومون على شؤونها ويقومون بتوصيل أبنائها الى مدارسهم ثم توصيلها الى عملها. وحتى اذا تواجد الذكوريون فهم اما منشغلون بأحوالهم واهتماماتهم الخاصة في البلوت والديوانيات أو السهر أمام الشاشة حتى الصباح. تضطر بعض النساء الى الاتفاق مع سائقي الليموزينات الذين يحضرون اليها بحسب أهوائهم وليس بحسب مواعيد المدارس والعمل، فتضطر المسكينة الى تحملهم الى آخر رمق، لأنها مضطرة في ظل الحاجة الملحة لتقوم بعد ترجي مذل واغراءات بزيادة الأجرة الى تحمل الذل والتحكم، هذا غير اضطرارها للتحدث بكل لغات العالم مع الاستعانة بكتب الترجمة أو بآلة الترجمة الفورية حتى تتمكن من افهام سعادته الموعد، ثم تضطر الى توصيل الأبناء والبنات «نفر نفر» الى المدارس، ومن ثم تحاول التنسيق في موعد الخروج، وتبدأ بالفتيات لخوفها من تعرضهن لسماع مفردات لا تليق من المراقبة التي ستضطر الى البقاء معهن أثناء جولة أو رحلة العودة (تتخلل الرحلة غير المأمونة) شرح وافٍ لرؤساء العمل عن أهمية ذهابها مع سائق ليموزين (لا تعرفه) والخوف من توكيله لاحضار البنات بسبب عدة سيناريوهات مقيتة ستجول في خاطرها منها اختلاء الفتيات مع سائق أجنبي أو اتهامهن بمحاولة الهرب أو تعريضهن الى سيل من المعاكسات من بعض الشباب الذين يؤمنون أن من تركب الليموزين مضطرة (لها أهداف أخرى)! بعض النساء لديهن القدرة على تحمل (رذالة بعض السائقين الذين يعتبرون انهم يقومون بأداء خدمة جليلة لها ولأولادها لأنهم يرحموهن ويوصلوهن الى المدارس بعد أن قرأوا جيداً ثقافة المجتمع وعرفوا، بل تأكدوا أنهن في حاجة ماسة اليه في ظل ثقافة ترى ان قيادة المرأة عيب وألف عيب انما اضطرارها لركوب سيارة أجرة مع سائق غريب (أهون وأرحم لها وللمجتمع) حتى ولو كانت ملتزمة بالحشمة وحتى لو كانت ارملة أو مطلقة وعانت الأمرين حتى تحافظ على تعليم بناتها وعلى وظيفة تصرف بها على منزل وليست لتحقيق النفس مثلاً بعد أن صعبت الحياة وازداد الغلاء. بعض النساء جلبن سائقاً من الخارج واضطررن تحت الحاجة الملحة الى تعليمه الطرق وأسماء الشوارع وقوانين البلد، بل وآداب المرور وبعض العادات والتقاليد، بل ان بعض النساء اضطررن لتعلم «الأوردو» والتحدث بلغة الاشارة حتى يفهم الرجل الغريب (عفواً السائق بل المنجد)! بل ان بعض النساء أصبحن ضحايا لبعض السائقين الذين يتفنون بالهرب منهن والتلاعب بأعصابهن لتقوم المسكينة بالبحث عن سائقها التي تكبدت في احضاره عدة آلاف لتفاجأ بهربه أو لتجده في الترحيل أو في أقسام الشرطة نظراً لمخالفاته المتكررة واستهتاره بسيارة تملكها أنثى! البعض منهم استطاعوا قراءة المجتمع الذي يهمش المرأة التي هي اكثر من عدد السكان واكثره نشاطاً، فحين تحاول المسكينة التدخل لمنع تهوره او استهتاره بأداب المرور، فيتجرأ من جلبته لمساعدتها بأن يقول لها «انتِ حرمة ما في كلام كثير انت في سكوت او انا ما في سوق سيارة» لتدعي في سرها المهموم حتى انت يا سراج منير او يا شهريار باشا! ألم يأن الأوان ونحن نعيش نهضة حضارية تنتعش يوماً بعد يوم الى النظر بعين الرحمة والشفقة الى هؤلاء النسوة، الم يأن الأوان ان نسمح لهن بقيادة السيارة حتى يقمن بتوصيل أولادهن والذهاب الى أعمالهن بكل احترام ومن دون مذلة من أحد، ألم يأن الأوان ان نقوم على شؤوننا بأنفسنا عوضاً أن نقوم بها ونحن نشعر بحرقة الدم في كل مشوار مهم نضطر الى القيام به (بصحبة رجل غريب يسمى سعادة السائق)! [email protected]