في قلب مدينة جدة السعودية المترامية المطلة على البحر الأحمر، تظل مبان عمرها قرون حاراتها الضيقة في منطقة تاريخية تعاني من التدهور في ظل غياب عمل حاسم لحمايتها.تحمل المنطقة التاريخية التي ترجع للقرن السابع بمنازلها المبنية من الطين وتزيّنها مشربيات خشبية بقايا المعمار التقليدي للحجاز، وهو الاسم الذي كانت تعرف به المنطقة الغربية لشبه الجزيرة العربية، لكن بينما تشيّد جدة أعلى برج في العالم في إطار حملة تحديث، تتعثر الجهود الرامية للحفاظ على أقدم مناطقها.ومعظم أعمال الترميم متروكة لأفراد، لأن الجهات المسؤولة لا يمكنها أن تتدخل بصورة قانونية لتجديد منازل مملوكة ملكية خاصة. ويقول مواطنون: «الجهات المسؤولة لم تظهر اهتماماً كافياً بحل المشكلة أو كسر الجمود في ما يتعلق بتمويل تطوير البنية التحتية في المنطقة».ونتيجة لذلك، انهار ربع المنازل الموجودة في المنطقة، التي تمتد فوق مساحة كيلومتر مربع، أو احترقت أو أزيلت خلال العقد الماضي، لأنه ليس بوسع أصحابها تحمل كلفة تجديدها الباهظة، وليس لديهم اهتمام أو حافز للقيام بذلك.وتحوّلت البيوت التي سكنها أغنى تجار جدة ذات يوم إلى مساكن رخيصة للعمال الأجانب الفقراء والمتسولين والمهاجرين غير الشرعيين. وقال عمدة المنطقة التاريخية ملاك باعيسى: «السعوديون يمثلون أقل من 5 في المئة من سكان المنطقة التاريخية، الذين يقدر عددهم بنحو 40 ألفاً».وأخفقت جهود سابقة لإدراج المنطقة التاريخية ضمن قائمة منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) للمواقع الأثرية - وهو ما قال مسؤولون إنه كان من شأنه إعطاء دفعة لأعمال الترميم - وذلك لأسباب من ضمنها غياب خطة رئيسة واقعية للترميم.وتعتزم الجهات المسؤولة إعادة تقديم طلبها إلى «اليونيسكو» هذا الشهر، لكنه سيتضمن هذه المرة مقترحات لتشجيع أصحاب البيوت على ترميم منازلهم تحت إشراف خبراء، من خلال قروض وحوافز مالية كما هي الحال في بلدان أخرى تنفذ مشاريع ترميم عملاقة.وعبّر المسؤول عن التخطيط الاستراتيجي في بلدية جدة عبدالقادر عامر عن تفاؤله بحدوث تحمس للترميم فور إدراج المنطقة في قائمة «اليونيسكو».وقال عامر: «أصحاب المنازل يعرفون أنهم يعيشون فوق أرض ثمينة جداً في قلب المدينة، ويريدون التخلص من البيوت القديمة، لتشييد مبان جديدة»، لافتاً إلى أن هناك توجيهات بإنفاق نحو 160 مليون ريال للمساعدة في ترميم الأجزاء العامة من المنطقة، إلا أن الأموال يجب أن تأتي من خزانة المدينة نفسها.وتعتمد كلفة الترميم بشكل كبير على حجم وحال الأضرار التي لحقت بالمنزل، لكنها قد تبدأ من 50 ألف ريال، وتصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين ريال. وذكر المواطن يونس الجزار أن الصيانة الدورية لمنزل عائلته تكلّف 6000 ريال سنوياً على الأقل.وتثبط سوق العقارات المحلية أيضاً جهود الترميم، فإيجار المباني الجديدة في المنطقة يمكن أن يصل إلى 50 ألف ريال سنوياً، مقارنة ب 2400 ريال للمنازل القديمة.