تحمل أخبار بغداد أحياناً ما يبدو مفاجئاً لإيقاع رتيب عماده نهوض الاتجاهات المتشددة. وعلى الأغلب تأتي تلك الأخبار ذات الإيقاع المختلف للسائد، من شباب بالكاد تجاوزوا العشرين، فبعد تظاهرات تأخذ الثقافة نحو بعد اجتماعي واسع، تأتي الأنغام لتظهر معها حيوية في بغداد، مناقضة تماماً لما ساد أجواءها منذ عام 2003، وتحديداً ما طاول الموسيقيين وأهل الفن والمعرفة عموماً، من تهديدات جدية وصلت إلى الاغتيال والخطف والضرب، حتى أن كثيراً من طلاب الموسيقى والفنانين كانوا يحملون آلاتهم في أكياس القمامة السوداء، كي لا تثير عيون عصابات ومتطرفين في ميليشيات ومجموعات إرهابية كانت تفرض سيطرتها على أحياء بغداد وشوارعها خلال فترة 2006 - 2008. وقبل أيام تناقل عراقيون بفرح ومحبة على موقع «فايسبوك»، مشاهد مصورة عن مبادرة نادرة ولافتة قام بها طلاب من «معهد الفن والسلام للموسيقى»، وهو مؤسسة غير حكومية، يحسب لها اقتراح يخرج على الإيقاع الرسمي والاجتماعي المحافظ فكرياً واجتماعياً. المجموعة خرجت إلى الساحة المقابلة للمسرح الوطني في منطقة الكرادة ببغداد، وعزفت النشيد الوطني ومقطوعات موسيقية عراقية أخرى، وهو ما اعتبره مدير المعهد واثق عدنان «رسالة إلى جميع السياسيين تؤكد أن العراق موحد بكل أطيافه، حاله حال الفرقة التي عزفت في وسط العاصمة، وأن العراق ليس بلداً طائفياً وأن الموسيقى رسالة نريد أن نوصل من خلالها إلى كل العالم أننا بلد السلام». الأبواق صدحت، والكمانات على أكتاف الفتيات الصغيرات رقّت بالنغم، حتى إن هناك من علق على المشهد أن الفانوس السحري الذي صنعه النحات الراحل محمد غنى حكمت، في الساحة المجاورة، انبثق منه مارد الإبداع والمغامرة لتصدح الألحان التي كان أصحابها، إلى حين قريب، يخشون أن تكون أي نغمة منها سبباً لموتهم. تقول سارة وهي عازفة في المعهد إن «فكرة نزولي إلى الشارع كانت مخيفة في البداية، لكن هذا الخوف ذهب بعدما شاهدت حب الناس وتشجيعهم والجو الجميل الذي أوجدناه»، وتضيف زميلتها طيبة: «نحن نريد أن نوضح للعالم رسالتنا، وليس هناك ما يدعو للخوف».