لن تحقق الاجتماعات «الماراثونية» للجنة الفرعية لقانون الانتخاب أيَّ تقدم، وسيبقى النقاش بين النواب الأعضاء فيها يدور في حلقة مفرغة، وهذا ما دفع أحدهم الى مصارحة زملائه بقوله لهم: «إن صدقيتنا على المحك، والرأي العام لا يراهن على قدرتنا على التوافق على قواسم مشتركة، وأنا أنصح منذ الآن بأن نحيل تعدد الآراء حول المشاريع المطروحة لقانون الانتخاب على الهيئة العامة في البرلمان طالما أننا لا نستطيع أن نسجل أي اختراق يذكر». ويعكس الموقف الذي عبر عنه النائب عضو اللجنة واقع الحال الانتخابي في ظل تعدد المشاريع، مع ان الحصيلة الأولى لليوم الأول من اجتماعات اللجنة أظهرت أن المشروع الذي أحالته الحكومة إلى البرلمان والقائم على اعتماد النظام النسبي بدأ يتيم الوالدين ولم يتجرأ «أهل بيته» من النواب المنتمين الى الكتل النيابية المتمثلة في الحكومة والمؤيدة له، على الدفاع عنه ولو من باب رفع العتب، بل تصرف معظمهم وكأنه لم يكن. ويفترض أن تكون الأجواء التي سادت اليوم الأول من الاجتماعات انسحبت على اجتماعات اللجنة الفرعية أمس، خصوصاً أن الانقسام حول المشروع الأرثوذكسي تكرر ودافع عنه النواب الأعضاء في تكتل «التغيير والاصلاح» وحزبي «القوات» و«الكتائب»، مع ان النائب سامي الجميل كان أقل دفاعاً عنه قياساً الى المرافعات التي تولاها ألان عون وجورج عدوان. وفي المقابل، لقي المشروع الأرثوذكسي اعتراضاً من ممثلي تيار «المستقبل» و «جبهة النضال الوطني» أحمد فتفت وأكرم شهيب، اللذين أظهرا تماسكاً في الاعتراض عليه، بذريعة ان الجميع يُجمع على بلورة مشروع قانون انتخاب جديد من شأنه أن يريح المسيحيين ويساهم في تبديد هواجسهم ومخاوفهم، لكن ليس من الجائز أن ننقل هذه الهواجس إلى طوائف أخرى. وعلمت «الحياة» من مصادر مواكبة لاجتماعات اللجنة الفرعية، بأن فتفت وشهيب انطلقا في معارضتهما للمشروع الأرثوذكسي بدعوتهما الآخرين إلى التبصر في تداعيات هذا المشروع على مجمل الوضع في البلد، والتي لن تظهر مع إقراره، وإنما من خلال النتائج المترتبة عليه بعد تطبيقه. وإذ ألمح فتفت وشهيب الى مخاوفهما من أن يدفع هذا المشروع في حال تبنيه في اتجاه إقحام البلد في مغامرة انتحارية، فإن النواب الأعضاء في كتلة «المستقبل» أبدوا ارتيابهم من نتائجه، لا سيما لجهة زيادة أجواء الاحتقان في البلد، إضافة إلى أن هذا المشروع يجب أن يطرح في الظروف العادية وليس في ظروف استثنائية كالتي نمر فيها على المستويات كافة. ورأى النواب أن الشرط الأساسي للدخول في نقاش مريح لقانون الانتخاب الجديد يكمن في تحييده عن المزايدات، كتلك التي ترافق حالياً المشروع الأرثوذكسي، لأن أحداً لا يملك في رصيده ما يسمح له بأن يدفع ثمن جر البلد إلى مغامرة غير محسوبة النتائج. كما أن نواباً آخرين من المستقلين في قوى 14 آذار أخذوا يبدون خشيتهم من أن النقاش حول المشاريع الانتخابية، ومنها «الأرثوذكسي» بات أسيراً للمزايدات بين رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون وقائد «القوات» سمير جعجع، اللذين يدخلان الآن في معركة تجميع الأصوات دعماً له. عون: لمواجهة مزايدات جعجع وكشف النواب أنفسهم أن عون كان أسرَّ الى وفد «جبهة النضال» الذي التقاه أخيراً برئاسة الوزير غازي العريضي، بأنه يدعم المشروع النسبي الذي أقره مجلس الوزراء، لكنه اضطر إلى تبنّي «الأرثوذكسي» للوقوف في وجه مزايدات جعجع عليه. كما كشف بعضهم عن المداولات التي كانت جرت بين جعجع من جهة وبين تيار «المستقبل» والنواب المستقلين في 14 آذار من جهة أخرى حول المشاريع الانتخابية، وقالوا ل «الحياة» إن قائد «القوات» تبلَّغ منهم الموقف على النحو الآتي: «نحن ضد النظام النسبي في ظل وجود السلاح ولا نؤيد المشروع الأرثوذكسي ولن تكون عقبة في وجه الدوائر الصغرى لكن لا بد من تأمين تأييد وليد جنبلاط لها لضمان تمرير هذا المشروع في الهيئة العامة. وفي حال تعذر الحصول على موافقته لن نوافق أبداً على النظام النسبي حتى لو أُدخلت عليه تعديلات تتعلق بإعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية». ولفت هؤلاء إلى أن الاجتماع المصغر لنواب 14 آذار أقر ضرورة تبني الدوائر الصغرى للخروج من المزايدات المسيحية-المسيحية حول «الأرثوذكسي» وقالوا: «لم نعرف الأسباب التي اضطرت حزبي «القوات» و «الكتائب» ليكونا طرفاً في تبني هذا المشروع». وسأل النواب أيضاً ما إذا كان الهدف من الموافقة المبدئية على «الأرثوذكسي» يتجاوز تأمين صحة التمثيل المسيحي إلى حسابات رقمية لكل من المعنيين بتأييده، ومفادها أن القوات والكتائب يحصدان العدد الأكبر من المقاعد النيابية المخصصة للمسيحيين في مقابل حسابات مماثلة لعون؟... لذلك، فإن الموقف من «الأرثوذكسي» سيكون مدار مشاورات في العمق بين رئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ورئيسي حزبي «الكتائب» الرئيس أمين الجميل و «القوات» سمير جعجع، إضافة الى الاتصال الذي أجراه أول من أمس السنيورة بجنبلاط، وهو يستعد للقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري في وقت قريب. وعلمت «الحياة» من مصادر نيابية بأن الموقف من «الأرثوذكسي» كان من أبرز البنود التي أُدرجت على جدول أعمال «المستقبل» في اجتماعه الأسبوعي أول من أمس، وتبين من خلال المداولات عدم وجود أي تأييد له، لا بل استُهدف بمواقف قاسية في مداخلات النواب. وتقرر، وفق المصادر، قيام الرئيس السنيورة بمشاورات مع الرئيس الجميل وجعجع لأن لا مصلحة لقوى 14 آذار بأن «تنشر غسيلها» في الهواء، لئلا تظهر وكأنها منقسمة على نفسها في مقابل الموقف الموحد لقوى 8 آذار، مع أنه كان ل «التيار الوطني» ملاحظة على الموقف الذي عبّر عنه ممثل حركة «أمل» النائب علي بزي في الاجتماع الصباحي للجنة الفرعية أول من أمس. وتتعلق الملاحظة -كما كشفت المصادر- بأن ممثل تكتل «التغيير والإصلاح» في اللجنة النائب ألان عون لم يكن مرتاحاً إلى قول زميله بزي إن الرئيس بري يدعم أي مشروع يحظى بإجماع المسيحيين، وقد اضطر بزي لاحقاً إلى تعديل موقفه بتأكيد دعمه «الأرثوذكسي» كما عبّر عنه عون وأيده ممثل «حزب الله» النائب علي فياض. وعليه، كان قانون الانتخاب الجديد محور لقاء بري-جنبلاط في حضور الوزيرين علي حسن خليل ووائل أبو فاعور، وتردد أن الأول يتفهم هواجس حليفه رئيس «التقدمي». ومع أن أوساطاً مقربة منهما لم تدخل في تفاصيل ما اتُّفق عليه، فإن هناك من يعتقد أن بري لن يترك حليفه جنبلاط قلقاً على القانون الجديد على رغم أنه الوحيد من خلال شهيب جدَّد تأييده قانون 1960 ودعمه إدخال تعديلات عليه يمكن أن تبدد مخاوف المسيحيين. اللجان مقبرة المشاريع وتردد في هذا المجال أن اللجان النيابية أو الفرعية ما هي إلا «مقبرة للمشاريع»، وأن الكلمة الفصل تبقى للهيئة العامة، وأن بري وإن كان يراعي عون، فإنه في المقابل لن يتخلى عن جنبلاط الذي يوفد اليوم وفد «جبهة النضال» للقاء وفد «المستقبل» برئاسة السنيورة وحضور عدد من النواب، مع أن تعديلاً طرأ على موقف عدوان والجميل في اجتماع صباح أمس تمثَّل في انفتاحهما على البحث في بدائل للمشروع الأرثوذكسي تؤمن فاعلية الصوت المسيحي، ما اعتُبر بدايةً لصرفهما النظر عنه. في ضوء كل ذلك، هناك من يعتقد أن «الاستعراضات» الانتخابية التي تقوم بها اللجنة الفرعية لن تقدم أو تؤخر في الموقف النهائي من قانون الانتخاب طالما ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان سيقف بالمرصاد لكل قانون يتعارض مع أحكام الدستور والميثاق الوطني، باعتباره صمام أمان للوحدة الوطنية، إضافة الى موقف مماثل لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي. كما أن بري لن يتردد في حسم موقفه لجهة الاعتراض على قانون يلقى معارضة من «المستقبل» و «جبهة النضال»، وبالتالي فإن ما يحصل في اللجنة الفرعية ليس أكثر من مناورة بالذخيرة «الإعلامية» يراد منها تمرير الوقت قبل الدخول في البحث الجدي لقانون الانتخاب.