في حافلات من فترة ما بعد الحرب، يصل 400 شخص من هواة السينما إلى سجن في لندن ويلزمون الصمت بأمر من الحراس... أهلاً وسهلاً بكم في «السينما السرية»، حيث يتقمص المشاهدون أدوار الممثلين ويغوصون في عالم الأفلام قبل أن يشاهدوها مباشرة على الشاشة. دفع كل من المشاركين، من طلاب ومتقاعدين أتوا ضمن مجموعات، أو حتى كعشاق، 43.5 جنيه استرليني (53.5 يورو) لخوض هذه المغامرة الفريدةً. لكن قبل ذلك، طُلب من المشاركين الاجتماع عند السادسة مساء، في مكتبة في شرق العاصمة لندن، شرط أن يأتوا متنكرين بأزياء من الخمسينات وأن يرتدواً سروالاً داخلياً طويلاً تحتها. وعند مخرج محطة المترو في بيثنال غرين، يحتشد المشاركون بأزيائهم وقبعاتهم المتناسقة لخوض هذه المغامرة المشوّقة. يقول فابيان ريغال (37 سنة) مبتكر «السينما السرية» التي أبصرت النور عام 2007، إن «الفكرة تقضي بجعل الناس يخوضون تجربة يجهلون ما سيعيشونه خلالها، والفيلم الذي سيشاهدونه. وهذا الأمر يجعلهم أكثر انفتاحاً وأكثر ميلاً إلى المجازفة». وفيما جذبت الإنتاجات الأولى التي عرضت في «السينما السرية» نحو 400 مشاهد، استقطب الإنتاج الأخير 13500 مشاهد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وفي داخل المكتبة، يفاجأ المشاركون بقاعة محكمة مظلمة. يستمعون إلى الحكم الذي يصدره قاض في حقهم بصوت مرتفع: «إد مارشال، خطف، ثماني سنوات من السجن»... «سايمون نيومان، سنتان سجن بتهمة تعدد الزوجات». ثم يغادر المدانون الأربعمئة، يرافقهم حراس، ويعبرون شارعاً تحت أنظار سائقي السيارات المصدومين. وتقول إحدى السجينات: «هذا مهين جداً». ثم تقلّهم حافلة إلى سجن في مدرسة مهجورة. وتحت أنظار حراس في أبراج المراقبة، يلعب سجناء بملابس رمادية كتبت عليها أرقامهم التعريفية، كرة السلة، في الساحة تحت أضواء المصابيح الساطعة. ويصرخ أحد الحراس في وجوه القادمين الجدد: «أمامكم 15 ثانية كي تتسلموا ملابس السجن». ويقول آندي الذي شارك في ستة إنتاجات من أصل 19 إنتاجاً: «إذا دخلتم اللعبة ستجدون أنها مذهلة»، معتبراً أن التجربة تكون «أكثر إثارة كل مرة». وقد تنكر آندي في زيّ بدويّ من أجل عرض فيلم «لورانس أوف أرابيا» (لورنس العرب)، في منتزه لندني، وفي زيّ مريض مضطرب عقلياً من أجل عرض فيلم «طائر فوق عش الكوكو» في مستشفى مهجور. ويعيش 30 ممثلاً الأجواء الدرامية في السجن، بمحاكاة عمليات الاغتصاب والإعدام، أو بالهتاف دعماً لسجين أرسل إلى زنزانة انفرادية. لكن الأجواء تتحسن في المستشفى (الحانة) الذي يقدم الأدوية (المشروبات والماء والهامبرغر). ويعتبر يوس، وهو شاب هولندي قرر العيش في لندن، «إن هذه التجربة نجحت»، مضيفاً «آمل أن تخطو مدن أخرى في العالم هذه الخطوة». ويبدو أن أمله سيتحقق في نيسان (أبريل)، إذ إن الإنتاج العشرين «للسينما السرية» سينظم في أماكن غريبة في لندن ونيويورك وأثينا في الوقت نفسه. وبعد اختبار عالم السجن لمدة ثلاث ساعات، يشاهد السجناء فيلم «ذي شوشانك ريدمبشن» (1994). وفي إمكان عشاق المغامرات دفع 30 جنيهاً إضافياً كي يمضوا الليلة في الزنزانة في «الفندق السري». أما محبو الطعام، فيمكنهم التلذذ بوجبة كاملة، في ضوء الشموع، في «المطعم السري»، مقابل مئة جنيه للشخص الواحد. ويتم تنظيم سيناريو خاص لمن يعطَون دور «المحظوظين القلائل» الذي يرتدون بزات رسمية وفساتين للسهرة، ويعبرون السجن تحت حراسة مشددة وسط صرخات مئات المعتقلين.