يكتب فكرام سث تتمة لرواية «فتى ملائم» الضخمة التي دارت في أوائل الخمسينات، وتابعت بحث امرأة عن زوج لابنتها المتمردة. في «فتاة ملائمة» التي ستصدر بعد أربعة أعوام نجدها في الثمانين تجدّ في التفتيش عن شريكة لحفيدها وسط ظروف اجتماعية وسياسية تختلف وتتشابه. خلّف استقلال الهند في 1947 وانشقاق باكستان المسلمة عنها مئات آلاف الضحايا ومجاعة وفقراً حادين. واذ تنافس الأولى الصين اليوم على المركز الاقتصادي الثالث في العالم تبقى منقسمة طبقياً ودينياً، ويوجعها رأسها من البطالة وكثرة الانجاب وحقوق النساء واستصلاح الأراضي. سيتوقف الكاتب عند الاصلاح الاقتصادي الذي ولّد طبقة وسطى ترى في «فتى ملائم» قصة أجدادها، لكن متعته الكبرى، قال، ستكون في عودة الاتصال بشخصياته ومعرفة ما حدث لها. رصدت «فتى ملائم» الأحداث في أربع عائلات في عام ونصف عام وسط التطورات السياسية حتى انتخابات 1952. سجّل سميث الخلافات الدينية الداخلية ووضع طبقة المنبوذين والصراع الهندوسي - المسلم وتحسين وضع المسلمات والقضاء على الاقطاعيين من أمراء وغيرهم. خص كل شخصية بفصل وعاد اليها في فصل آخر، وجعل محوره السيدة روبا ميرا التي تضغط على ابنتها الجامعية المستقلة لاتا لتختار واحداً من ثلاثة عرسان. دخلت الرواية التي امتدت نحو 1500 صفحة لائحة الأفضل مبيعاً في بلدان عدة، ومنحت سث شهرة وثروة، وها هو يزور أهلها بعد أكثر من عقدين للاطمئنان عنهم. ولد في 1952 لأب كان موظفاً كبيراً في معمل باتا للأحذية وأم قاضية كانت أول امرأة تعيّن في محكمة عليا وترأسها. درس الفلسفة والسياسة والاقتصاد في أكسفورد، وتسجل في ستانفورد، في الولاياتالمتحدة، لينال الدكتوراه في الاقتصاد، لكنه أهمله ليدرس لغة الماندرين الصينية والشعر أحد عشر عاماً. قام بدراسة ميدانية واسعة أول الثمانينات عن التنظيم الأسري في الصين، ومكّنه إتقان الماندرين من ترجمة الشعر الصيني الى الانكليزية. عاد براً من الصين الى الهند، وكتب عن رحلته في «من بحيرة السماء: أسفار في سنكيانغ والتيبت». يجيد أيضاً الألمانية والفرنسية والويلزية والأوردو الباكستانية والهندية، ويعزف على التشيلو والناي الهندي. أهدى «موسيقى متساوية» الى فيليب أونوريه الذي دامت علاقته به عقداً، لكنه يرفض الحديث عن ميوله لكي لا تحدّده. فجأة هذا الصيف اكتشف الفاتيكان ظُرف أوسكار وايلد هذا الصيف وأعاد اليه الاعتبار بعدما وصمه طويلاً بالانحلال. راجعت صحيفته «لوسرفاتوري رومانو» دراسة «بورتريه أوسكار وايلد» الصادرة حديثاً لباولو غوليسانو، وذكرت أن العالم المثلي احتفل بالكاتب كمثل عن الاضطهاد الذي يطاول الفنانين. كان «جمالياً محباً للزائل» وإحدى شخصيات القرن التاسع عشر التي حللت بوضوح العالم المعاصر بجوانبه السلبية والايجابية معاً. لم يكن فقط «متمرداً أحب صدم المجتمع المحافظ في انكلترا الفكتورية (بل أيضا) رجلاً سأل نفسه خلف قناع من الانحلال عما كان عادلاً وعما كان خاطئاً، عما كان حقيقياً وعما كان زائفاً».لا يزال الفاتيكان يعتبر المثلية خطيئة يجب تجنبها، على أن موقفه الجديد قد يكون متأثراً باعتناق وايلد الكاثوليكية حين كان يحتضر في فندق حقير في باريس في 1900. رأت الصحيفة «الطريق الوجودي الذي سلكه أوسكار وايلد درباً طويلة وصعبة نحو الأرض الموعودة التي تمنحنا سبب الوجود، أرض أوصلته الى اعتناق الكاثوليكية، الدين الذي لاحظ في أحد أقواله الحادة انه كان «للقديسين والخطأة فقط، أما الناس المحترمون فتكفيهم الكنيسة الأنغليكانية». أقام وايلد دعوى على ماركيز كوينزبري، والد صديقه اللورد ألفرد دوغلاس، بعدما اتهمه باللواط، لكن الكاتب خسر الدعوى وسجن في 1895 عامين بتهمة «ارتكاب أفعال بالغة الخلاعة». كان فتن بطقوس الكنيسة الكاثوليكية عندما زار روما وهو في الثالثة والعشرين وتمكن من لقاء البابا بيوس التاسع. خلال سجنه في ريدنغ قرأ كتب القديس أوغسطين والكاردينال نيومان ودانتي أليغري، لكنه لم يتنكر للمثلية عندما قصد باريس بعد اطلاقه. كان وصف ميله الجنسي ب «السقراطي» وشبّه الجنس مع المراهقين ب «تناول مأدبة مع النمور»، قائلاً ان المخاطرة «نصف الاثارة». قبيل وفاته عن ستة وأربعين عاماً، عمّده الأب كوثبرت دون بعد أن نفى كونه كاثوليكياً: «أنا بابوي عنيف». عتمة كينيدي الخيبة مرة أخرى في كتاب أ ل كينيدي الجديد «ماذا يحدث» الصادر في بريطانيا عن دار جوناثان كيب. تكتفي في عنوان المجموعة بكلمتين من القصة الرئيسة «ماذا يحدث لمحطمي القلوب؟» التي بدأت أغنية شائعة لجيمي رافين في الستينات، وتحولت رواية لآلان داف في التسعينات ثم حققت فيلماً. يسترجع فيها فرانك نهاية زواجه الطويل التعيس وهو يجلس وحده في صالة سينما صغيرة. كان يعد العشاء لزوجته كالعادة عندما جرح اصبعه وطفحت تعاسته فجأة فباتت أكبر منه. يجلس متوتراً ويفكر أنه قد يغير مقعده اذا لم يأت أحد، ولا يطفئ هاتفه لعله يتلقى اتصالاً. تلتقط كينيدي وحدة فرانك ونفاد صبره بالهاتف المضاء والحاجة الى الحركة من دون أن تبررهما، وتضيء الزوايا الداخلية برهافة يتبينها موجعو القلب مثله. «أفهم لماذا ينظر الناس الى النوافير، أو البحر. لأن هذه لا تتوقف. تتحرك المياه وتحافظ على حركتها، تنسحب جزراً وتعود وتبقى تتحرك وتبقى. مثل ذلك الزر في الستيريو (...) هناك دائماً زر يسمح لك بالاعادة، لا الألبوم وحده بل قسم منه مرة تلو المرة، بحيث تبقى هذه الدقائق الثلاث أو الأربع ثابتة في رأسك، تلفها، تطويها. يعرفون أنك تريد ذلك. أنا أريد». في «تعاطف» يلتقي رجل وامرأة في حانة فندق. تبادله الحديث فيرى الحسد في عيني رجل هناك، لكن الحميمية تغيب لدى انتقالهما الى غرفة. يتبادلان حواراً بارداً ظاهره حسابي وباطنه افتقار الى الثقة والأمان في عالم يسرع ويعصر الفرد بين دقائقه. «هل تودين أن أخبرك ما عليك فعله؟» يسأل. «ليس بالطريقة التي تفكر بها» تجيب. يرتاح. لا يريد التحكم بالأمر. كان يوم الأربعاء وأحس الأسبوع طويلاً وإن لم يكن سيئاً. وهل تريد أن تخلع تنورتها أم لا؟ في «شاي السبت» تبحث امرأة عن الراحة من ضغوط الحياة بالجلوس في خزانة رطبة في طابق تحت الأرض، وتغلق الباب لتغمرها عتمة كريهة. تفكر بالعنف الذي تعرضت له صغيرة في أسرتها، والحب الذي عصاها أو فرض نفسه عليها. تفكر بامرأة تعرفت اليها في حفلة، وتثق بأن الزوج جعلها دمية ميتة العينين تعد الحمص وهي تطلق ضحكة مخيفة خافتة. هي أيضاً جعلت زوجها محتالاً لزج اليدين أدمن الكحول والغولف والأفلام الخلاعية. دمّر أحدهما الآخر، وسيطاول الهدم ابنهما في مراهقته فيتحول مجرماً مدمناً المخدرات. باتت أميركا تمنح «بوليتزر»، أهم جوائزها، للمجموعات القصصية خلافاً لبريطانيا المتمسكة بالرواية موضوعاً لجائزة بوكر. وتبث «ذا نيويوركر» قصة مختلفة كل شهر على موقعها الالكتروني. يعرف أنه فكر بسقراط تحضر محكمة الرعاع واضطهاد المثقفين. غير صحيح، يقول البروفسور بول كارتليدج في كتابه «تطبيق الفكر السياسي الاغريقي القديم». آمن مؤرخون تأثروا بالكتّاب القدامى، ومنهم أفلاطون، بأن السياسيين البارزين الذين هاجمهم سقراط علانية انتقموا منه بتلفيق تهمتي اللاتقوى وإفساد الشباب ضده. ساد اعتقاد آخر بأن تعاليم مؤسس الفكر الغربي حرّضت على العصيان فحوكم ليكون عبرة. اخترع الإغريق الديموقراطية لكنها اختلفت عن هذه التي نعرفها، وأدت الى سوء قراءتنا للتاريخ. ولئن بدت التهم سخيفة لنا، آمن الأثينيون يومها بأن سقراط أضر فعلاً بالمصلحة العامة. رفض المفكر سلطة عدد من الآلهة مدفوعاً بما سماه «ديامونون» الداخلي الذي قصد به ربما الحدس. عنت الكلمة أيضاً قوة خارقة شريرة، وقد يكون استخدامها أغضب كثيرين. حوكم سقراط أمام لجنة محلفين من خمسمئة مواطن عادي يتمتعون بمركز جيد، وتحق لهم ادانة المتهم اذا أثبتوا أنه يسيء الى المصلحة العامة. على أن هذا تمتع بحق اقتراح عقوبته، وبدلاً من أن يستفيد سقراط من الفرصة، مازح المحلفين أولاً بالقول ان عليهم مكافأته، ثم عرض دفع غرامة زهيدة. حكم المحلفون عليه بالإعدام فقبل بالعقوبة لأنه كان «مديناً للمدينة التي نشأ في ظل قوانينها باحترام هذه القوانين حرفياً». رفض عرض حراس السجن السماح له بالهرب، وراق له أن يكون ضحية فلسفته. أشار تلميذه أفلاطون الى قوله: «بدلاً من أن يعاقبوني عليهم أن يمتنّوا للطريقة التي ساعدتهم بها على تنقية أرواحهم، عليهم أن يقدموا لي طعاماً مجانياً طوال حياتي». يقر كارتليدج بشجاعة سقراط لكنه يرى الاعتقاد ببراءته وإعدامه على أيدي الرعاع خطأ، اعتبر الأثينيون أنهم طهروا مجتمعهم وأعادوا تثبيته بتخلصهم منه. كان فظاً وأزعج سياسيين كثراً بصلته بالأوليغارشيين ودعوته الشباب الى التفكير المستقل. لم يدون تعاليمه فتولى طلابه المهمة ولا سيما منهم أفلاطون الذي كتب ثلاثة عشر مجلداً من «حوارات سقراطية». على رغم غروره أكد أن حكمته ليست أكثر من اعترافه بجهله. «أعرف أنني لا أعرف شيئاً»، قال، وبنى أسلوبه الجدلي على التساؤل والتفحص المستمرين لتحسين الفرضية.