في تقريره الأخير الصادر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اعلن «مجلس الاستخبارات القومية الأميركية» أن العالم يمر في مرحلة انتقالية لم تعرف الإنسانية لها مثيلاً. ومن هذه التغيرات اتجاه الولاياتالمتحدة نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، وانخفاض كلفة فك شيفرة الجينوم البشري 3 ملايين مرة، أي تقلصها إلى مبلغ لا يزيد على ألف دولار في عقد من الزمن، وارتقاء الصين إلى مرتبة أكبر سوق في العالم، واستقطاب آسيا الشطر الأكبر من طلاب العالم، وظهور آثار الاحتباس الحراري في الإنتاج الزراعي، وتفاقم أزمة الصحف والمجلات الورقية، على وقع انتقال «نيوزويك» إلى العالم الإلكتروني وانقلاب العالم الورقي رأساً على عقب، نتيجة منافسة الإنترنت لمنشوراته وتعاظم حركة عرض الأخبار المجانية وانهيار سوق الإعلانات، والنمو المضطرد للاقتصاد الأفريقي، وتهديد الإقبال على الاتصال بالإنترنت بواسطة الهواتف الذكية التي يتوقع أن تبلغ مبيعاتها بليون هاتف في 2013، وصناعة أجهزة الكومبيوتر الثابتة، وفتور ميل الولاياتالمتحدة إلى المحافظة، إثر رفع الحظر عن بيع القنب في ولايتي واشنطن وكولورادو، وتراجع العداء للمثليين على وجه المعمورة. الاكتفاء النفطي الأميركي مع استخراج مصادر الطاقة الجديدة، ومنها الغاز الصخري والنفط القاري، لم تعد منطقة الشرق الأوسط مستودعَ أكبرِ احتياط نفطي في العالم، وتربعت محلها أميركا الشمالية، التي يبلغ احتياط النفط فيها 2200 بليون برميل، منها 19 بليون برميل نفط غير تقليدي، في حين لا يتجاوز 1200 بليون برميل في الشرق الأوسط. آثار المنعطف هذا بدأت بالظهور في الولاياتالمتحدة، حيث انتشرت ورشات استخراج الغاز والنفط غير التقليديين من داكوتا في الشمال إلى تكساس، ومن كاليفورنيا إلى بنسلفانيا. ووفق وزارة الطاقة الأميركية، أفلحت أميركا في تأمين 83 في المئة من حاجاتها النفطية، والمعدل هذا يفوق نظيره قبل أربعة أعوام ب8 نقاط، وانخفضت نسبة استيرادها موارد الطاقة 11 في المئة في 2012، كما زادت في السنوات الأربع الأخيرة معدلات الموارد المستخرجة محلياً 25 في المئة. وتتجه الولاياتالمتحدة إلى صدارة سلم الدول المنتجة لموارد الطاقة بوتيرة سريعة، والأرجح أن تبلغ ذروتها -وفق توقعات وكالة الطاقة الدولية- بين 2017 و2020، حين ستحتل الولاياتالمتحدة صدارة الدول المنتجة للنفط وتتفوق على كبريات الدول الخليجية. ويتوقع أيضاً أن تتقدم أميركا على روسيا في 2015، وترتقي إلى أكبر منتج للغاز في العالم. ووفق الوكالة، يرجح أن تبلغ الولاياتالمتحدة الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة في 2030. سيُؤْذِن هذا التغير، الذي سيكون بمثابة «بيغ بانغ» (انفجار كبير)، بمنعطف كبير يغيّر وجه العالم الجيو– سياسي. ويلاحظ أكبر المستثمرين الأميركيين وأكثرهم نفوذاً في قطاع الطاقة، تي. بون بيكنز، أن مرابطة الأسطول الخامس الأميركي في الخليج لحماية النفط المتجه إلى الصين وأوروبا، ستتحول في ضوء هذه التغيرات إلى عبثية لا فائدة منها ترتجى. لذا، تسعى بكين إلى زيادة قدراتها العسكرية على حماية الطريق البحري الذي يصلها بشبه الجزيرة العربية، وتطور المرافئ في سريلانكا وباكستان وجزر المالديف وجزر السيشيل، أي في المحيط الهندي الذي بدأ النفوذ الصيني يغلب عليه. الصين سوق العالم الأكبر تدور فصول ثورة صامتة في الصين. فالصينيون دخلوا عالم الاستهلاك، وصاروا من كبار المستهلكين «النهمين» والأكثر تطلباً، ويتسوقون «على الخط» الإلكتروني. وفي أعوام قليلة، صارت الصين أكبر سوق للسيارات والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والأعمال الفنية. في العام المنصرم، حل الصينيون في المرتبة الأولى عالمياً في شراء السلع الفاخرة، كما أن بلادهم لم تتنحَّ بعدُ عن عرش أكبر مصنع في العالم، لكنها اليوم كذلك أكبر مستهلك لسلع تصنَّع محلياً: فشركة «آبل»، مصنِّعة أجهزة «آي فون» و «آي باد»، تبيع 15 في المئة من منتجاتها في السوق الصينية، والنسبة هذه قدرها بالدولار 23.8 بليون. ويتوقع أن تسبق الصين الولاياتالمتحدة في سوق البيع بالتجزئة في 2014، وأن تتربع هذا العام كأكبر مستورد في العالم. وعلى رغم هذه التغيرات، لم يبلغ الاستهلاك الخاص عتبة 40 في المئة من الناتج المحلي، في وقت يبلغ 70 في المئة في الدول المتقدمة. ويشتد عود عصر الاستهلاك الصيني على رغم ضعف معدلاته الداخلية، وأعلن قادة الحزب الشيوعي الجدد زيادة الرواتب لتحفيز الاستهلاك. تتوقع الباحثة الأميركية هيلين ونغ، وهي صاحبة «الحلم الصيني» الصادر في 2010 وفي طبعة جديدة معدّلة في العام المنصرم، أن تبصر النور أكبر طبقة وسطى في العالم، عدد المنضوين فيها 475 مليون شخص معظمهم من سكان المدن، وأن تضاهي عائدات الطبقة هذه نظيرتها في الدول المتقدمة. وتعاظمت أعداد قاطني المدن في الصين، وفاقت في 2012 عتبة ال50 في المئة من السكان. وزادت الخدمات الاستهلاكية على وقع ارتفاع عدد وسائل النقل (السيارات والقطارات السريعة) وعدد المتصلين بالشبكة الإلكترونية، البالغ أكثر من 500 مليون متصفح إلكتروني، وتحسين مشروع الخدمات الصحية. آسيا جامعة طلاب العالم وفي 2013، يُتوقع أن تستقطب جامعات آسيا الحصة الأكبر من طلاب العالم، فالقوى الاقتصادية النامية التي التحقت بمجموعة الدول العشرين، ومنها الهند والصين وأندونيسيا وأفريقيا الجنوبية والمملكة العربية السعودية والأرجنتين والبرازيل وكوريا الجنوبية، ستعد 78 مليون طالب، في وقت لن يتجاوز عدد طلاب جامعات دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أي ألمانيا وأستراليا وكندا والولاياتالمتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان والمكسيك وبريطانيا وتركيا، 71 مليوناً. ومع تضاعف عدد طلاب العالم مرتين بين عامي 2000 و2020، يسلط ارتخاء قبضة قيادة الغرب للعالم الضوءَ على قطاع التعليم العالي في الصين والهند. وزاد عدد الجامعيين في الصين وعدد المنشورات العلمية زيادة هائلة، وبدأ طلاب العالم بالميل إلى الدراسة خارج بلادهم في الصين، وتعاظمت أعداد الصينيين من طلاب العلم في الغرب. وفي حين كانت نسبة الطلاب الصينيين الى عموم الطلاب في بلدهم 36 في المئة في 2009، يُتوقع أن تبلغ 70 في المئة في 2025. * صحافي، عن «لوموند» الفرنسية، 1/1/2013 إعداد منال نحاس