دوت صرخة (شعار) الحوثيين من سطوح منازل صنعاء وشوارعها بصوت جماعي موحد جسد مدى تصاعد قوة الحوثيين (حركة انصارالله) وتمددها، من جماعة شبابية صغيرة تنشط تحت مسمى «منتدى الشباب المؤمن» الى قوة عسكرية ضاربة تحوز مقومات الدولة. خلال عقدين ونيف من الزمن ظهرت الجماعة بشعارها الشهير (الله اكبر.الموت لأميركا. الموت لإسرائيل. اللعنة على اليهود. النصر للإسلام) الذي بدأ في 2002 خافتا وشبه سري، يكتب على الجدران تحت جنح الظلام. والمجاهرة به تؤدي الى الاعتقال، لتتحول خلال سنوات الى قوة ضاربة تهدد الجيش وتقوض هيبة الدولة. يرى الباحث المستقل اسكندر شاهر أن قوة «انصار الله» تنبع من ضعف وأخطاء خصومها الدينيين والعسكريين والسياسيين ومن غياب الدولة في صعدة وجوارها. ويقول أن الحوثيين وظفوا البيئة القبلية «المتخلفة» لتعزيز حضورهم. واستفادوا من ضعف الجيش اليمني ومن أخطاء الأحزاب واخفاقها في تبني مشروع وطني جامع يؤسس لبناء دولة مدنية. ويقدم شعار الحوثيين، الذي يقول قادة الحركة أنه يعبرعن موقفهم، فيما يصفه البعض بالهزلي والمناقض لقيم الديموقراطية وحقوق الانسان، نموذجاً لطبيعة الايديولوجيا التي تنهض عليها الحركات الاسلامية المتشددة في تجنيد الانصار. وتلفت طالبة الدراسات العليا في جامعة صنعاء مها عبد السلام الى طبيعة التناقض في الشعار. وتقول أن الحوثيين لم يبرهنوا في ممارساتهم حتى الآن على أي عداء لاميركا واسرائيل على العكس من ذلك مارسوا القتل والتنكيل بالجيش والمواطنين اليمنيين. بدءاً من طرد يهود آل سالم من اراضيهم ونهب ممتلكاتهم الى طرد وقتل خصومهم في دماج وعمران وتدمير عشرات المدارس والاستيلاء على الوية عسكرية. والحق أن الحركة التي أريد لها أن تكون بمثابة ذراع عسكرية للأحزاب الزيدية ونسخة شيعية مقابل تنظيم «القاعدة» السني، نهضت على الإرث الديني والاجتماعي في مناطق انتشار المذهب الزيدي وهي مناطق قبلية تتسم بانتشار الأمية والسلاح وتبرز لدى ابناءها العصبية العشائرية والدينية. وكان لتبني الحركة خطاباً اقلوياً ينهض على المخاوف والقول باخطار تهدد آل البيت الهاشمي وتحدق بالمذهب الزيدي الذي يمثل أتباعه نحو 35 في المائة من السكان، اثره في جذب الانصار. وتشكل هيمنة أسرة بدر الدين الحوثي وهو مرجع ديني يتهم بالتشدد، لحظة مفصلية في تحول تنظيم الشباب المؤمن من منتدى لتعليم الشباب مبادئ الزيدية القائمة على التجديد والانفتاح على المذاهب الاخرى، الى حركة دينية متشددة تقوم على مبدأ الحق الالهي والطاعة العمياء للمرجع الديني. وتنص «الوثيقة الفكرية والثقافية» وهو اتفاق يزعم ناشروه أنه جمع «ابناء الزيدية عموماً وفي مقدمتهم السيد عبد الملك الحوثي» على أن ولاية الأمة يختص بها آل البيت الهاشمي دون سواهم. ويستند القائلون بالاصطفاء الى قول نبي الاسلام محمد «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ». وينسب لحسين الحوثي قوله أن ضعف الزيدية يعود الى تعطيل العمل بمبدأ الاصطفاء الإلهي. ويرى البعض في «الوثيقة الفكرية والثقافية» التي جرى توقيعها عشية انتخاب الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي ونشرها موقع «أنا زيدي» رفضاً صريحاً لشرعية الرئيس عبدربه المنتمي الى الجنوب وهو أول رئيس يحكم اليمن من خارج المذهب الزيدي. وجندت حركة انصار الله عشرات الآف الشباب من خلال الحاقهم بمدارس دينية تاخذ نمط المعاهد العلمية التي تبنتها جماعة الاخوان المسلمين خلال العقود الاخيرة من القرن العشرين حتى غداة احداث 11 ايلول (سبتمبر) حين قررت الحكومة ضمها الى وزارة التربية والتعليم. وينسب للزعيم للروحي للحركة بدر الدين الحوثي حثه لاتباعه على توفير المال الذي ينفقونه في استهلاك القات لشراء سلاح. وفي 2011 نصب الحوثيون محافظاً لصعدة يعد من اشهر تجار السلاح. ويلمح قادة حركة «انصار الله» أن حصارهم صنعاء يهدف الى ضرب جامعة الايمان التي يراسها الشيخ عبد المجيد الزنداني المتهم بدعم اعمال ارهابية. بيد أن محللين يقولون أن الحركة تهدف الى تأسيس دولة شيعية موالية لايران وأن طموحاتها لن تقف عند اسقاط صنعاء. ويرشح من تأييد النخب الثقافية والفكرية، لحركة «انصار الله» مدى هشاشة ثقافة العلمنة واليسار واخفاق الجمهورية في تاسيس ثقافة وطنية جامعة. ويتباهي البعض بالانتماء الى جماعة الحوثيين المسلحة وهناك من حصل على وثائق تثبت نسبه الى البيت الهاشمي. وللمرة الأولى تعود كلمة «السيد» الى الواجهة بعد أن ظل استخدامها في المعاملات الرسمية ممنوعا منذ 1962. واستفادت الحركة التي تحاكي اساليب الثورة الاسلامية في ايران وحزب الله اللبناني، من هزيمة الحزب الاشتراكي العسكرية في حرب صيف 1994 الاهلية ومن خروج الرئس السابق علي عبدالله صاالح من السلطة في انتفاضة شعبية عام 2011 كما من التوجه الغربي والاقليمي لضرب جماعة الاخوان المسلمين وتحجيمهم عسكريا وسياسياً. وتصمت عن اخطاء وفساد النظام السابق وخلت مطالباتها من الاشارة الى الاموال المنهوبة من قبل النظام السابق الذي يشارك في الحكومة الحالية بنسبة 50 في المئة. وترى عبد السلام أن خطر تاييد الحركة الشيعية المسلحة سيرتد على مؤيديها كما ارتدت الجماعات الجهادية التي حاربت الشيوعية على الانظمة التي تبنتها وفي مقدمتها اميركا. مشيرة الى التشوه الذي اصاب الساحة السياسية والديمقراطية بسبب المال السياسي والطائفي الذي تبذله الحركة لشراء ذمم مثقفين واعلاميين وناشطين مدنيين وشيوخ قبائل وضباط في الجيش بحيث استطاعت أن تؤسس لقبيلة دينية «لكنها هذه المرة قبيلة إيرانية وليست طالبانية».