هناك قصة في التاريخ الإسلامي تنفيها مصادر، وتثبتها أخرى، وتحكي عن ثلاثة من رفاق الصبا في بلاد فارس جمعت بينهم الصداقة في القرن الخامس الهجري، فتعاهدوا في ما بينهم على أنه لو حصل وأن أصبح لأحدهم شأن ذو بال في المستقبل فعليه أن يمد يد العون لصديقيه، فدارت الأيام دورتها ليصبح أحدهم وزيراً، فيأتيه رفيقاه يستنجزانه الوعد، فأما أحدهما فكان شاعراً لا مطمع له في جاه أو سلطان، فلم يطلب من صديقه الوزير أكثر من أن يجري عليه ما يكفيه مؤنة العيش ليتفرغ لأشعاره وعلوم الفلك والرياضيات التي يهواها، وأما الصديق الآخر فكان بطموحه الجارف متطلعاً إلى الثراء والسلطة، فطلب من الوزير أن يوليه وظيفة في ديوانه، فلم يمض وقت طويل على عمله حتى بدأ يصطنع لنفسه الأوامر ويتآمر على اغتيال صديقه الوزير نفسه، ثم يفر بعد انكشاف مؤامرته ليؤسس فرقة الحشاشين التي عمدت إلى اغتيال خصومها في الرأي غيلة، فيحتمي مع أتباعه بحصن «الموت» الجبلي المنيع، ليكون ضمن مَن اغتالهم أتباعه ذات الوزير الذي أعلى من قدره يوماً... فمن يكون الرجل الذي لم يطلب من الحياة سوى سلامها؟ يقال انه الشاعر والفلكي والرياضي الشهير عمر الخيام، والذي عاش حتى مماته إما محتمياً بحصن أو فاراً من جنود الحاكم هو الحسن بن الصباح، أما الوزير المغدور صاحب النعمة المحسود فهو السلجوقي نظام الملك. كلمة أخيرة: معايير النجاح في الحياة نسبية وليست شيئاً مطلقاً أو معمماً، وكذلك هي مطالب الحياة، فما يعتبر لإنسان هدفاً تافهاً، قد يعد في نظر آخر غاية المنى. المهم في كل الأحوال أن يشعر المرء أنه حقق أملاً عزيزاً عليه يرضيه عن نفسه، فالنجاح الحقيقي في الحياة هو السعادة الشخصية النابعة من تصالح الإنسان مع ذاته والآخرين، وكذا مع انجازاته في رحلته، أما بالنسبة للغيرة فإذا كانت شعوراً فطرياً يولد مع الإنسان، غير أن كثيرها وعدم تقنينها إنما هو ألم حارق ينغص على المرء حياته ويحبط من تقديره لنفسه، فلا شيء في نظره يساوي ما عند الآخر، ولا يعي إلا والحسد يفتك به ويلتهم راحة باله شيئاً فشيئاً. يقول ابن المقفع: «لم أرَ ظالماً أشبه بالمظلوم كالحسود»، فإذا كان المحسود على النعم يعاني من حسد الناس لماله أو صحته أو صحبته أو... أو...، فالكمد الذي يكابده الغيور الذي يحسد لا يقل عن معاناة صاحب النعم، ذلك أن الحسد أطول عمراً من سعادة الحسود، وسيظل يلاحق الصياد وضحيته معاً... الأول بشعور قاتل بالغيرة يلازمه فيقتاته، والثاني بتتبع عين الحسود له التي لا تقدح سوى شرها، فالغيرة والحسد يولدان في نفس صاحبهما ولا يموتان بزوال نعمة الآخر المحسود، وليس للحاسد سوى الهم والتعب إن في إخفاقه، أو في وصوله لغرضه. وقالوا: «الفقير قد يتسول كسرة خبز، أما الثري فيتسول مملكة». جوناثان سويفت [email protected]