يتميز معرض «الحائط» Le Mur المقام في قاعة «لا ميزون روج» La Maison rouge (البيت الأحمر) في باريس، بطرافة قلّما تعرفها المعارض في شكل عام، وهي تنظيم اللوحات طبقاً لطريقة تحمل اسم «مونتي كارلو» لا تخضع لأي منطق بشري بل لمزاج الكومبيوتر الذي يحدد الترتيب الواجب إتباعه في تقديم الأعمال في القاعة. أما المعلومات التي أدخلت إلى العقل الإلكتروني إياه من أجل أن يتخذ قراراته، فهي تخص تواريخ اقتناء الأعمال وأرقام فواتيرها، بينما لا يعلم الجهاز شيئاً عن أصل وفصل كل لوحة من الناحية الفنية. وتأتي هذه العملية في النهاية بنتيجة مثيرة للبلبلة من ناحية وللاهتمام من جانب آخر، إذ أنها تكسر القواعد المفروضة في دنيا المعارض الفنية الباريسية والتي ترغب في أن توضع الأعمال التابعة لعمالقة الرسم أو النحت أو التصوير إلى جانب بعضها البعض، وتلك المنتمية إلى فنانين أقل شهرة في قسم يخصها من دون سواها. ولكن المعرض الذي يشهده الزائر في «لا ميزون روج» المشتمل على ما لا يقل عن 1200 قطعة يدهش العين حين يقدم لوحة من تصميم مارسيل دوشان تجاورها أخرى رسمها جان دوبوفيه، وهكذا على مدى الممرات التي لا أول لها ولا آخر والتي تمتد بالطول وبالعرض في القاعة الضخمة المذكورة. وقد تستغرق زيارة معرض «الحائط» ساعات طويلة بالنظر إلى جمال الأعمال وعددها الهائل، ولكن أيضاً لأن المقارنة بين أعمال لا علاقة لها بعضها ببعض لا من حيث المواضيع التي تتناولها ولا من حيث الأسلوب الفني المعتمد فيها ولا حتى في ما يخص الفترة التي أنجزت فيها تستغرق وقتاً طويلاً. وبما أن بعض الفنانين هم من ذوي السمعة العالمية بينما لم يسمع الزائر عن البعض الآخر بتاتاً، يعمد معظم الزوّار إلى قراءة اللافتات الصغيرة المعلقة في أسفل كل قطعة أو الشروح في الكتيب الذي يسلم إلى كل زائر، الأمر الذي يستغرق بعض الوقت بطبيعة الحال. سوق وتعود فكرة هذا المعرض إلى مؤسس قاعة «لا ميزون روج» الفنية أنطوان دو غالبير الذي افتتح القاعة قبل ثلاثين سنة بهدف تقديم أعمال من الفن المعاصر وسواه. وهو يكرّس معرضاً كل ثلاث سنوات لمجموعات فنية خاصة تملكها عائلات ثرية تكون اقتنتها في مزادات علنية لدى دور سوذبيز أو كريستيز أو أرت كوريال أو غيرها. ولكن المجموعة المطروحة حالياً تكسر هذه القاعدة أيضاً بما أنها لا تنتمي إلى أي مجموعة خاصة، بل يملكها أنطوان دو غالبير الذي جمعها على مدار السنوات الثلاثين الفائتة منذ قيامه بافتتاح قاعة «لا ميزون روج». ويصف دو غالبير معرض «الحائط» بأنه يشبه «السوق»، مضيفاً أنه يعشق الجو السائد في الأسواق على أنواعها. ومن الواضح أن المبادرة تلقى رواجاً بما أن القاعة لا تخلو من الزوار والمعرض سيمتد إلى منتصف تشرين الأول (أكتوبر) بعدما كان من المفروض أن يتوقف غداً. وفي إحدى القاعات الصغيرة المجاورة لتلك التي تؤوي معرض «الحائط»، يقدم الفنان الإيطالي بيبو ديل بونو، وهو مخرج وممثل مسرحي وسينمائي ومصور، أحدث أعماله المصورة تحت عنوان «أمي وغيرها».