لم تجد أوساط رسمية لبنانية من تفسير لإصرار سفير سورية لدى لبنان علي عبدالكريم علي على توجيه رسالة ثانية الى الخارجية اللبنانية ينتقد فيها أداء وزارة الشؤون الاجتماعية في ملف النازحين السوريين الى لبنان ويتهم الوزير وائل أبو فاعور بأنه يمارس سياسة عدائية ضد النظام في سورية تتنافى والاتفاقات الثنائية بين البلدين وتسيء الى العلاقات المشتركة، سوى أنه أراد أن يرد بطريقة غير مباشرة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان بسبب موقفه في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء عندما دعا السفراء الى التقيد بالأصول الديبلوماسية وعدم استخدام منبر وزارة الخارجية للتحامل على قيادات سياسية أو رسمية أو لإطلاق مواقف تمس بالسيادة اللبنانية. وكشفت الأوساط نفسها ل «الحياة» أن النظام في سورية أبدى انزعاجاً من الرد الذي صدر عن رئيس الجمهورية على السفراء المعتمدين لدى لبنان وأولهم السفير السوري الذي دأب من حين الى آخر على استخدام منبر وزارة الخارجية للهجوم على عدد من الدول العربية والصديقة بسبب دعمها المعارضة في سورية. وقالت إن العلاقة بين سليمان والقيادة السورية تمر في حال من التأزم مضى عليها أكثر من سنة وأن بدايتها كانت في الرد على المغالطات التي وردت في المذكرة التي رفعها السفير السوري لدى الأممالمتحدة بشار الجعفري الى مجلس الأمن، وسرعان ما تفاقمت بعد الكلام الذي نقل عن رئيس الجمهورية من أنه ينتظر اتصالاً من الرئيس بشار الأسد ليستفسر فيه عن توقيف الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة نقل متفجرات من سورية الى لبنان لتفجيرها في عدد من المناطق في شمال لبنان. ولفتت الى أن هذه الأسباب، إضافة الى أسباب أخرى كانت وراء التراكمات التي أدت الى الفتور في العلاقة بين سليمان والأسد، خصوصاً أن قيادات لبنانية مقربة من الأخير لم تكن مرتاحة الى نفي لبنان الرسمي ما تردد عن وجود معسكرات للجيش الحر في شمال لبنان ولا الى مطالبة لبنان بوقف الخروق السورية لمناطقه الحدودية في الشمال والبقاع على رغم أن الرئيس اللبناني لعب دوراً ضاغطاً أثمر توافقاً بين الأطراف المشاركين في الحوار على «إعلان بعبدا» بغية تحييد لبنان ومنع تهريب الأسلحة في الاتجاهين. وأكدت الأوساط عينها أن طلب وزارة الخارجية اللبنانية من سفير لبنان لدى سورية ميشال خوري إبلاغ الخارجية السورية باستمرار خروق الجيش السوري للأراضي اللبنانية لقي تذمراً من جهات سورية رسمية عليا مع أن هذا الطلب لم يأخذ طريقه الى التبليغ نظراً الى أن الجانب المعني في لبنان امتنع عن تسفير رسالة في هذا الخصوص ليتولى السفير خوري تسليمها الى الخارجية السورية. وأوضحت أن لبنان الرسمي سارع الى اتخاذ موقف من توجه مجموعة شبان من شمال لبنان الى بلدة تلكلخ السورية لمساندة المعارضة ضد الجيش النظامي السوري باعتبار أن لا ازدواجية في المعايير في التزام لبنان الحياد حيال أزمة سورية. وسألت عن المتغيرات التي استدعت من السفير علي تسليم رسالة ثانية في أقل من أسبوع الى الخارجية احتجاجاً على ما اعتبره استغلال أبو فاعور لملف النازحين والتعاطي معه بانحياز لمصلحة تخصيص المساعدات للمجموعات التكفيرية الوافدة من سورية الى لبنان؟ وقالت إن الرسالة الثانية تسلمتها الخارجية من السفير السوري الجمعة الماضي وأن الوزير عدنان منصور أحالها الاثنين الماضي الى زميله أبو فاعور من دون أن يعلق عليها خلافاً للرسالة الأولى التي حملت تعليقاً له تسبب بسجال «هادئ» مع أبو فاعور في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء قبل أن يتدخل رئيس الجمهورية ويحسم الموقف من خلال رسمه خريطة الطريق للسفراء المعتمدين لدى لبنان في تحركاتهم أكانت رسمية أم سياسية. لكن تدخل رئيس الجمهورية - وفق هذه الأوساط - لم يمنع من عودة السجال بين منصور وأبو فاعور لو لم يسارع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى الإيعاز لمستشاره السياسي وزير الصحة علي حسن خليل للقيام بمسعى لديهما بالامتناع عن الدخول في سجال جديد، خصوصاً بعدما أوضح منصور أن ما صدر عنه الجمعة لم يكن موجهاً لأبو فاعور وإنما للمحتجين في طرابلس على تبني الخارجية ما ورد في الرسالة الأولى للسفير السوري. وتعتقد هذه الأوساط أن لتدخل بري دوراً في تجنب وزير الخارجية التعليق على رسالة علي الثانية والاكتفاء بإحالتها الى أبو فاعور كما وردت الى الخارجية، وتؤكد أن للحملة التي استهدفت رئيس الجمهورية من جانب أطراف مسيحيين في 8 آذار علاقة مباشرة بتأزم العلاقة بين قصري بعبدا والمهاجرين. وتعزو السبب الى أن لا شيء يبرر للمتحاملين على سليمان سوى تلبية الرغبة السورية بعد انزعاج دمشق من الاتهامات الموجهة الى مسؤولين فيها تردد أنهم على علاقة بالتهمة التي صدرت في حق سماحة. لذلك، ترى هذه الاوساط أن الرسالة السورية الثانية الى الخارجية اللبنانية تستهدف إصابة عصفورين بحجر واحد: الأول سليمان والثاني رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط على موقفه المؤيد للمعارضة في سورية. وإلا لماذا أوقع السفير علي نفسه في مجموعة من المغالطات وهو يعرف قبل غيره أن دور وزارة شؤون المهجرين في ملف النازحين يقتصر على التنسيق بين الوزارات اللبنانية المعنية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والدول المانحة لتوفير الحاجات المتواضعة لهؤلاء النازحين مع ارتفاع عددهم الى أكثر من 200 ألف نازح. وتؤكد أن الرسالة السورية الثانية والاتهامات الواردة فيها ضد ابو فاعور ستحضر بامتياز في جلسة مجلس الوزراء اليوم المخصصة لإقرار خطة لاستيعاب النازحين، إلا إذا كان البعض يراهن على ترحيلها الى جلسة لاحقة بذريعة أن هناك حاجة لإخضاعها الى مزيد من النقاش، علماً أن الوزراء المنتمين الى حركة «أمل» و «حزب الله» لم يكونوا طرفاً في سجال منصور - أبو فاعور. وفي هذا السياق، تتخوف الأوساط من إصرار البعض على تأجيل البحث في خطة استيعاب النازحين، وتعتقد أنه آن الأوان للتفكير بهدوء في كيفية استيعابهم بعيداً من تبادل الاتهامات وتسجيل المواقف بغية تعطيل قنبلة سياسية موقوتة يمكن أن تكون لها ارتداداتها السلبية على مجمل الوضع في حال التأخر في ضبط النازحين ليكون في مقدور القوى الأمنية اللبنانية السيطرة على الموقف من خلال تحديد أمكنة خاصة لإقامتهم بدلاً من تركهم يتدبرون أمورهم بأنفسهم لما يترتب على ذلك من انفلاش يدفع البعض الى استغلاله. وتؤكد أنه لا بد من التفكير في إقرار خطة متكاملة لاستيعاب النازحين، وهذا يستدعي الإقلاع عن حال التردد التي كانت وراء الاستخفاف بهذا الملف وعدم التحرك في الوقت المناسب بذريعة أن الأزمة في سورية لن تطول، مع أن وزراء «جبهة النضال الوطني» كانوا من أوائل المحذّرين من احتمال أن تكون مديدة وطالبوا بضرورة الإسراع في التوافق على الخطة.