يشعر الكثير من الأشخاص أن النوم هو ملاذهم الأفضل من أجل الراحة، وفي حين يلاقي بعض الأشخاص الذين يكثرون من النوم انتقادات حادة أو حسداً من آخرين، حسم استشاريون في مجال المخ والأعصاب الجدل حول ضرورة النوم للجسد والأعصاب، وأشاروا إلى أن للسهر آثاراً سلبية على إنتاجية الفرد خلال فترة دوامه، إضافة إلى أنّ قلة النوم، أو عدمه في الليل، تسهم في انخفاض إنتاجية الفرد وتعرضه للأخطاء العملية. وأكد الاستشاري المشرف على «مركز تشخيص وعلاج اضطرابات النوم» في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية في جدة، الدكتور أيمن كريم أن الدارسات الطبية تشير إلى أن الحرمان من النوم لمدة تتراوح ما بين 5 و10 أيام يمكن أن يصيب الإنسان بالأعراض الهلوسة والاضطرابات العصبية إضافة إلى سوء التركيز والإنتاج. ولفت إلى أن بحثاً حديثاً أجري في أميركا أثبت أن تنامي ظاهرة النعاس أثناء القيادة للعاملين في مجالات النقل جرّاء ساعات العمل الممتدة واضطرابات القيادة خلال أوقات غير ملائمة من الليل والنهار، تؤدي إلى الإرهاق والنعاس في حال عدم أخذ قسط كاف من النوم. وقال كريم إن الدراسة الأميركية «كشفت عن اعترافات 20 في المئة من الطيّارين بارتكابهم أخطاء خطيرة أثناء الطيران لاختلال أوقات النوم والاستيقاظ، إضافة إلى اعتراف 50 في المئة منهم بأن السبب يعود إلى حرمانهم من النوم الطبيعي في الليل». وأضاف أن دراسة سعودية حديثة، أجريت في كلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، طبّقت على عيّنة من الأطباء العاملين في برنامج زمالة للهيئة السعودية للتخصصات الطبية، أشارت إلى ارتفاع نسبة الأخطاء التقنية لدى الأطباء العاملين في مجال التخدير والجراحة العامة بمعدل 20 في المئة قياساً بالأطباء الذين يأخذون قسطاً وفيراً من النوم خلال الليل»، لافتاً إلى تعرّض 10 في المئة من الأطباء إلى حوادث سير نتيجة للإرهاق والسهر والحرمان من النوم. ونوّه بالدراسة الأميركية التي أوضحت أن 41 في المئة من الأخطاء الطبية يقع بسبب فرط الإرهاق والسهر لدى الأطباء ما يؤدي إلى وفاة ثلث المرضى بهذه الأخطاء الخطيرة. وتظهر الدراسة أن ارتفاع معدلات السهر لدى الأفراد له العديد من السلبيات على الفرد وأدائه، إذ أن من أهم مضاعفات الحرمان المزمن من النوم السليم في الليل، تعكّر المزاج، وقلّة التركيز، وسوء الذاكرة القصيرة الأمد، وصعوبة إعطاء الآراء السديدة، إضافة إلى زيادة النّعاس والنوم القهري أثناء النهار. ومن أخطر مضاعفات الحرمان من النوم بقسميه الحاد والمزمن زيادة نسبة حوادث السيارات. وتبيّن كثير من الدراسات زيادة معدل حوادث السير إلى ما يقرب من 5 أضعاف عند الأشخاص المحرومين من النوم لمدة تزيد على 20 ساعة متواصلة، وكذلك عند الأشخاص الذين ناموا لما يقرب من 4 ساعات فقط في الليلة السابقة للحادث، مقارنة بغيرهم من أصحاب النوم الكافي. ويشرح كريم: «خلصت الدراسات، إلى أن العمل في أكثر من وظيفة صباحية ومسائية والعمل بنظام المناوبات، والقيادة بعد أكثر من 15 ساعة متواصلة من دون نوم، وخصوصاً خلال ساعات الليل المتأخرة، تُعد من أهم العوامل الرئيسية لحوادث السير». وأكد أن السهر وعدم النوم ساعات كافية في الليل يسببان العديد من الأضرار على صحة الإنسان، بخاصة أن الدراسات العلمية تشير إلى وجود علاقة بين اضطرابات النوم ليلاً والإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم والسمنة والألزهايمر. وأظهرت نتائج دراسة أميركية حديثة ارتباط الحرمان المزمن من النوم في الليل، بالإصابة بارتفاع ضغط الدم. فخلال خمس سنوات من متابعة نمط النوم لدى 587 من الأفراد البالغين، ظهرت جلياً إصابة أفراد العينة الذين يقل نومهم عن 7 - 8 ساعات يومياً بارتفاع ضغط الدم بنسبة أكبر من غيرهم. وبعد خمس سنوات، تبين أن نقص ساعة واحدة من معدل ساعات النوم المطلوبة 8 ساعات يومياً، يزيد من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة 37 في المئة، بصرف النظر عن وجود عوامل خطر أخرى تساعد على الإصابة بارتفاع ضغط الدم، كالوزن الزائد والشخير أو انقطاع التنفس أثناء النوم. واللافت للنظر أن معدل عدد ساعات النوم ضمن أفراد العينة لم يتجاوز الست ساعات، في إشارة إلى حرمان معظمهم من النوم السليم. وعن ارتباط ارتفاع معدلات السهر وأثرها على الجهاز العصبي، يوضح كريم: «هناك دلائل جديدة تشير إلى ارتفاع خطر الإصابة بمرض «الألزهايمر». فقد أظهر بحث أجرته جامعة واشنطن في ولاية ميسوري الأميركية، ارتباط الحرمان المزمن من النوم السليم بتراكم مادة «الأمايلويد» في أنسجة المخ. ومعروف أن «الألزهايمر» يعد أحد الأمراض العصبية الذهنية المزمنة التي تصيب كبار العمر نتيجة ضمور المخ، وتراكم طبقات بروتين الأمايلويد بصورة غير طبيعية، ما يحدّ من قدرة المخ على القيام بوظائفه الذهنية الضرورية للحياة. ووجد الباحثون دليلاً على تراكم هذه الرقائق البروتينية السامة بصورة أكبر وأسرع، لدى تعرّض فئران التجارب إلى السهر القسري والحرمان من النوم السليم. وظهرت النتيجة نفسها لدى قياس «الأمايلويد» لدى الأشخاص المحرومين من النوم لأي سبب كان، حيث يرتفع مستوى هذا البروتين أثناء الاستيقاظ الطويل، وينخفض عند الخلود للنوم بصورة طبيعية. وقد يكون هذا أحد التفسيرات لاضطراب طبيعة النوم بشكل ملحوظ لدى المصابين بخرف الشيخوخة، ومعاناتهم من اختلال أوقات النوم والاستيقاظ بشكل مزعج. ويشير كريم إلى إن السهر وارتفاع معدّلاته يتزامن مع ارتفاع معدلات السمنة لدى الإفراد، موضحاً: «تشير دراسات إلى ارتباط الحرمان من النوم بفرط الوزن لدى الأطفال والكبار، ففي دراسة حديثة أجراها فريق طبي من جامعة وارووك البريطانية، تمّ تحليل نتائج 45 دراسة علمية أجريت بين عامي 1996 و2007 على الأطفال والبالغين، بغرض تحديد العلاقة ما بين قلّة عدد ساعات النوم وزيادة الوزن. ووصل عدد الأفراد المشمولين بالدراسة إلى أكثر من 600 ألف بين نساء ورجال، تراوحت أعمارهم بين سنتين ومئة وسنتين. وخلصت هذه الدراسة التحليلية إلى أن نسبة الإصابة بالبدانة عند الأطفال في سن النمو، والذين ينامون أقل من 10 ساعات في الليلة تصل إلى 89 في المئة مقارنة بأقرانهم ممن ينعمون بساعات النوم الطويلة، وأن البالغين الذين ينامون 5 ساعات أو أقل في الليلة، يزيد احتمال إصابتهم بالبدانة إلى 55 في المئة ممن ينامون أكثر من 5 ساعات». وفي السياق ذاته أوضح استشاري الطب النفسي، في مستشفى الحرس الوطني في الرياض الدكتور جمال الطويرقي، أن للسهر أثاراً سلبية على معدلات الأداء والإنتاج للفرد، خصوصاً أن كثرة السهر تؤثر في إفراز عدد الهرمونات اللازمة لتحسين الأداء منها مادة الملامين التي تفرز أثناء نوم الفرد ليلاً مما يترتب عليه عدم التركيز أثناء العمل والوقوع في الأخطاء»، مشيراً إلى أن ارتفاع معدل السهر يسهم في زيادة إفراز مادة الكورتيزون التي تتسبب في زيادة الوزن.