شنّ الرئيس القبرصي ديمتريس خريستوفياس أول من أمس هجوماً لاذعاً على إجراءات التقشف القاسية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على أعضائه الذين يعانون أزمة مالية خانقة، ومن بينهم قبرص التي تواجه عاماً كئيباً. وقال الرئيس الشيوعي الذي سعى إلى الحصول على قرض من روسيا، في محاولة لتجنب الشروط العقابية التي لا مفر منها لصفقة إنقاذ أوروبية، أن السياسات التي يفرضها الأعضاء الأكثر ثراء في الكتلة الأوروبية كانت لها نتائج عكسية. وأضاف في كلمة تلفزيونية بمناسبة رأس السنة «لا بد من الإقرار بأن السياسات التي وضعت على المستوى الأوروبي لم تنجح في إيجاد حل للمشاكل الاقتصادية الناجمة عن الأزمة، بل فاقمت الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية». واعتمدت قبرص إجراءات تقشفية تلبية لشروط الدائنين من منطقة اليورو لأكثر من بليون يورو في شكل اقتطاعات، في حين يمثل البرنامج الذي يمتد أربع سنوات 7.25 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وكان البرلمان وافق على اقتطاعات لرواتب الموظفين الحكوميين وتجميد زيادات الأجور المرتبطة بمؤشرات حتى عام 2016 وزيادة الضرائب على السجائر والكحول والبنزين، لكن من غير المتوقع أن يتخذ وزراء مال منطقة اليورو قبل 21 الجاري قراراً نهائياً حول مسودة اتفاق مع المقرضين الدوليين لصفقة إنقاذ أكدت تقارير أن قيمتها 17.5 بليون يورو. وأشار خريستوفياس إلى أن «الصورة التي يرسمها الكثير من الدول الأوروبية التي تعاني من مشكلات، لا تشرّف الاتحاد الأوروبي، ومستقبل أوروبا موحدة لا يمكن أن يكون الفقر والحرمان والبطالة والتشرد»، مضيفاً أن «المقاربة الأحادية الجانب للاتحاد الأوروبي فشلت في تحقيق النمو في الدول التي تعاني من الانكماش وسعى الاتحاد الأوروبي إلى مساعدتها»، ومشدّداً على أهمية «معالجة مختلفة تركز على التنمية والترابط الاجتماعي والتضامن الفعلي داخل الاتحاد». وكانت نيقوسيا طلبت صفقة إنقاذ في حزيران (يونيو) الماضي عندما تقدم اكبر مصرفين لديها منكشفين على اليونان، بطلب للمساعدة بعد عدم تمكنهما من تلبية معايير الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالحد الأدنى لرأس المال. وهي تتفاوض حول تلك الشروط مع «ترويكا» الدائنين، أي الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وأظهرت تقارير أن إجمالي المبلغ الذي تحتاجه قبرص يبلغ 17.5 بليون يورو، منها 10 بلايين يورو للمصارف وستة بلايين لدين الدولة المستحق و1.5 بليون للمالية العامة، في حين بلغ الناتج المحلي للجزيرة 17.97 بليون يورو عام 2011، بينما تشير توقعات موازنة هذه السنة إلى تراجع نسبته 2.4 في المئة. وأقر خريستوفياس بأنه كان يأمل في الحصول على قرض من جهات أخرى بدل الدخول في آلية الدعم الأوروبية لأنها تتضمن «تضحيات مؤلمة»، وقال «حتى قبل الاتفاق الأولي مع الترويكا، بذلنا جهوداً كبيرة للحصول على التمويل من مصادر أخرى لأننا كنا ندرك المشكلات التي سنواجهها». وكانت قبرص تأمل في الحصول على قرض قيمته خمسة بلايين يورو من روسيا، إضافة إلى 2.5 بليون يورو اقترضته عام 2011 ولكن الاتفاق لم يتم. وجاء ذلك في خطاب وجهه خريستوفياس للأمة، وهو الأخير له، إذ إنه لم يترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة في شباط (فبراير) المقبل، وهو أول رئيس قبرصي يمتنع عن الترشح مجدداً. وكان أكد مراراً انه سيتنحى إذا ما فشل في تحقيق تقدم نحو توحيد الجزيرة المجزأة منذ نحو أربعة عقود. ولفت إلى أن محادثات التوحيد المدعومة من الأممالمتحدة تقوضها تركيا التي تحتل الثلث الشمالي للجزيرة منذ العام 1974 بعد انقلاب من قبل قبارصة يونانيين يريدون الوحدة مع اليونان. وأوضح أن إطلاق عملية التنقيب عن الغاز والنفط في البحر، على رغم احتجاجات تركيا، كان أهم إنجازاته خلال ولايته، مضيفاً أن «العثور على الغاز الطبيعي أهم حدث اقتصادي وسياسي واجتماعي منذ استقلال قبرص عام 1960».