لا ينحصر دور الثورة المصرية في تغيير الدستور وإسقاط النظام ورفض الفساد والدفاع عن حقوق الانسان وكرامته، بل تعدّى كل ذلك الى ثورة على التقاليد والعادات ونمط التفكير الجماعي. وها هي الاسكندرية مدينة البحر والغرام، تعلن ثورتها من خلال زينة الأعياد المبتكرة والتي سُخّرت هذه السنة لرفض «دستور قندهار». فاكتست الاحتفالات برداء الثورة والغضب والرفض للاستفتاء في العديد من الاماكن العامة من فنادق ومطاعم ومراكز تجارية، وعكست زينتها وهداياها و «بابا نويلها» توجهات ثقافية محتدمة ورؤى سياسية متصارعة. وقد فاجأ أحد المراكز التجارية في الإسكندرية روّاده بتمثال ضخم ل «بابا نويل» أو «سانتا كلوز» يعتمر قبعة حمراء مكتوباً عليها «لا للدستور» في باحته الرئيسة، ويحمل بيديه منشوراً يوضح المواد الخلافية المشوّهة لمواده التي صوّت عليها المصريون أخيراً. وقد وُضع «بابا نويل» أمام جدار مكتوب على ثلث مساحته «ميلاد مجيد» بالانكليزية، لتُترك المساحة المتبقية منه لجملة «لا لدستور قندهار». هذا التكوين الاحتفالي الرافض للدستور لفت انتباه كثيرين وأطلق لتعليقاتهم المستهجنة أحياناً والساخرة أحياناً أخرى العنان. وزيّن أحد المحال القديمة المشهورة بصناعة الحلويات في منطقة محطة الرمل، شجرة العيد بكريّات منحوت عليها «لا للدستور». كما ألبس رجلاً زيّ «بابا نوبل» على الطريقة الاسكندرانية مع جعل ثيابه ملوّنة بعلم مصر. ويحمل معه كيس الهدايا الممتلئ ليس بالحلويات والسكاكر، بل بالمنشورات الرافضة للدستور والتي يوزعها على الزبائن الداخلين والخارجين. وفي محل آخر تبدّل شكل «بابا نويل» من رجل وديع وحنون بشوش الى غاضب ثائر وهو يرفع شعار الحرية حاملاً العلم المصري. وفي إحدى التظاهرات الليلية الرافضة لنتائج الاستفتاء على الدستور والمنددة بانتهاكات التصويت، على الكورنيش البحري، ارتدى عشرون ناشطاً زي «بابا نويل» التقليدي حاملين لافتات ومنشورات عليها عبارات رافضة للدستور، راحوا يوزّعونها على المارة والمتظاهرين. فيما حمل متظاهرون آخرون صوراً لبابا نويل وعبارات ساخرة تحذر من تمرير دستور وضعه فريق واحد. ويقول وائل جميل الذي كان واحداً من مجموعة ال «بابا ناويل» ل «الحياة»: «مع تمرير الدستور، لم يبقَ لدينا إلا الإصرار على الرفض والثبات على الموقف، لذلك قررنا نحن وآخرون أن تكون الأعياد هذا العام وما يحوطها من أجواء احتفالية مناسبة لتجديد لروح الثورة بطريقة مبتكرة». ويضيف: «طفنا على عدد من المحال المشهورة وعرضنا عليهم أفكارنا التي لاقت ترحيب بعضهم واستنكار آخرين، فقررنا تنفيذ أفكارنا بأنفسنا على أرض الواقع وارتدى كل منا ملابس «بابا نويل» لنعلن موقفنا الواضح أمام الجميع».