تشي زحمة السير الخانقة في بيروت المتزامنة مع أعياد نهاية العام، خصوصاً في المناطق السياحية والتجارية وفي محيط المطار، بحركة اقتصادية مزدهرة واستقرار أمني وسياسي. لكن، يبدو أن مدينة التناقضات والفوضى الخلاقة تعلّمت التضليل من سياسييها واحترفت التمويه. ففي حين تعلو صيحات التجار وأصحاب الفنادق والمطاعم، بسبب تراجع السياحة وانخفاض المبيعات إلى ما يقدّرونه بنسبة 50 في المئة، وتخبّط البلاد بين معارض ومؤيد للنظام السوري أو لثورة شعبه، وانتشار الخطف والسرقة والموت المجاني من الجنوب إلى الشمال، واتساع هوة الفقر والفساد... تبدو المدينة مزدانة (وإن بدرجة أقل من السنوات السابقة) ومشغولة كأمّ العروس! بيروت المتقلّبة على نار الشام، ليست في أحسن حالاتها، لكنها تحبس دموعها وأزماتها، تترقّب بحذر الأيام المقبلة، كأن كبرياءها لا تسمح لها بالانهيار العلني، خصوصاً أمام عيون أولادها المتوافدين من بلاد الاغتراب محوّلين مطارها واحة حيوية بعدما ساده جفاف موسم الصيف. «أتينا لقضاء موسم الأعياد في لبنان، على رغم كل شيء»، تقول إيفا التي تحمل طفلها في مطار رفيق الحريري الدولي، «هي مغامرة لا بدّ منها، قلت لنفسي فلأنزل الآن إلى بيروت لأنني قد لا أستطيع ذلك في ما بعد، إذا تأزّم الوضع». ويشير حسام الموظّف «في خدمة ركن السيارات» في المطار، إلى أن 95 في المئة من الواصلين لبنانيون وسوريون». ويضيف: «مقارنة بالعام الماضي، ما زالت الحركة خفيفة جداً، الخليجيون ممنوعون من المجيء إلى لبنان، وبصراحة هم دينامو السياحة». هكذا، يبدو أن للوافدين السوريين إلى لبنان هذه الأيام، لا سيما الميسورين منهم، دوراً بارزاً في تحريك العجلة الاقتصادية والسياحية. ويفيد عامر الذي يعمل في أحد متاجر «أسواق بيروت» وسط المدينة، بأن «السوريين من الطبقة الميسورة يشكّلون 50 في المئة من الزبائن، أما الباقون فهم أغنياء ومغتربون لبنانيون، إضافة إلى بعض العراقيين». ويؤكد سامر، مدير أحد المطاعم في منطقة الجميزة السياحية أن «السوريين الأغنياء أنعشونا قليلاً بعد ركود تضاعف بسبب قانون منع التدخين، ولا ننسى أن أجواء العيد تُحمّس اللبنانيين على الخروج من منازلهم وتشجّعهم على الإنفاق، وتكثر المآدب والسهرات». أما يوسف، وهو مدير تسويق في أحد الفنادق الكبرى في بيروت، فيقول إن نسبة إشغال الغرف لم تتخطّ ال40 في المئة، وهو ما يعتبره خسارة فادحة في وقت الأعياد. ويشرح أن «الفنادق لا تعوّل على المغتربين، كون غالبيتهم تقيم عند الأهل أو في منازلهم الخاصة». لكن جانيت ديب التي تعمل مدرّسة وهي أم لثلاثة أطفال، كُتب لها ولمن مثلها من أصحاب الدخل المحدود، التمتّع بالزينة البراقة لواجهات المحال التجارية، من دون دخولها. وتقول، فيما تنزّه أولادها في «أسواق العيد» التي ابتكرتها إدارة «الزيتونة باي» في عين المريسة هذا العام، إن «الأسعار نار، لم أستطع حتى شراء شجرة العيد للأولاد، فاضطررت إلى ترميم الشجرة القديمة». وتقول صديقتها روز: «بالكاد اشترينا ثياب العيد ودفعنا تكاليف العشاء العائلي، هذا العيد ليس لنا، إنه للأغنياء فقط... نحن لنا زحمة السير والقهر والخوف، ولهم الفرح والبذخ». ويقول إدمون الأب لطفلين: «كثير من اللبنانيين يرتادون المجمّعات التجارية المزّينة بآلاف الدولارات، للفرجة، لأن العين بصيرة واليد قصيرة. على الأقل تركوا لنا التمتّع بالزينة». أما سمر التي أكدت أنها تحاول، منذ أسبوعين، حجز طاولة في أحد المطاعم الفاخرة، ولم توفّق، فتتساءل: «أين الفقر في لبنان وكل المحال التجارية والمطاعم الخمس نجوم، تعجّ بالرواد؟». ويفيد صديقها زاهر بأنه يئس من فكرة حجز مكان له ولزملائه في فندق أو صالة فاخرة لقضاء سهرة رأس السنة، مستغرباً أن تكون المقاعد الباهظة الثمن نفدت بطاقاتها قبل غيرها. بينما يؤكد بلال الذي قرّر أن يودّع 2012 في صالة «بيال» مع عاصي الحلاني وهيفاء وهبي، أنه وأصدقاءه لم يجدوا سوى خمس بطاقات، يبلغ سعر الواحدة منها 250 دولاراً. أما تلك المخصّصة ل «الشخصيات المهمة»، وطاولاتها في مقدّمة المسرح، فيتراوح سعرها بين 400 و1500 دولار... وبيعت منذ الدقائق الأولى لفتح شباك التذاكر، وفق بلال.