حوى مسلسل «سجن النسا» خلطة درامية متكاملة بأنامل أنثوية، إذ يكمن التكامل الفني في العمل حينما التقت مسرحية «سجن النسا» للكاتبة الكبيرة الراحلة فتحية العسال بسيناريست ومعالجة درامية لمريم نعوم وإخراج كاملة أبوذكرى. واكتملت الخلطة الثلاثية الأنثوية بحشود من الوجوه النسائية، التي أتقنت فأجادت بحبكة ومهارة دور المرأة التي كبّلها المجتمع بقيود لا تستطيع الانفلات منها، ما يجبرها على تسول العطف وجني المال. هذه الوجوه تشابهت بدورانها في فلك الظلم والقهر والفقر من واقع مجتمعها الذي يصب جام غضبه وهمومه على الكفة الأضعف، التي تنتظر وقوع الظلم عليها، فيما يبحث آخرون عن شيء يشعرهم بالتفوق وبسط هويتهم في المجتمع، فيتجهون صوب المال الذي يعتبر رمز القوة والصلابة والحماية من «غدر الزمان»، كما يكثر تداول هذه العبارة في معظم الأعمال المصرية، إذ تبزغ في ثنايا العمل سيادة المال من خلال مشاهد عدة في حلقاته. ويكشف المسلسل خبايا عالم ما وراء قضبان السجينات «سجن القناطر» حول قصصهن وأسرارهن الخاصة وعلاقاتهن ببعض، وما يجمعهن ويفرقهن في آن واحد، وحكايات وقعهن في الأسر، بينما بعضهن اتخذن من السجن مرحلة نقاهة ليعاودن نشاطهن من جديد. ونجحت نيللي كريم بشخصية غالية، فمن سجانة إلى متهمة ثم مجرمة قاتلة، فيما أجادت روبي في تجسيد شخصية رضا التي تمثل الفقر والحاجة والقهر والغيرة والحسد من أرباب عملها، أما درة فتعيش مشاعر متداخلة بين حرصها على صيانة عفتها والتمسك بصفة الفتاة الشريفة وسط حارتها، وبين رغبتها الجامحة في حياة الرفاهية والمال وتحسين مستواها ومستوى عائلتها المعيشي، إضافة إلى تناول المسلسل حياة عدد كبير من السجينات كشخصية المريضة بالوسواس، وكيفية صمودها أمام التحرش الجنسي، في حين تشعر بالرهبة الشديدة منه لأسباب نفسية عميقة بصورة تعبيرية قوية، إذ تظهر دراما المسلسل من طريق ذائقة فن التصوير والإخراج الرائع لتلك الشخصية التي بينت قدرة تلك المرأة على أن تصبح قاتلة على رغم ضعفها ومرضها. وأشاد الناقد الفني علي فقندش بمسلسل «سجن النسا»، بقوله: «حالات من التماهي مع الإبداع من مخرجة المسلسل كاملة أبوذكرى والكاتبة مريم نعوم، قابلها إبداع في التجسيد من ثلاثي الأداء نيللي كريم ودرة التونسية وروبي، المسلسل من أكثر الأعمال متابعة خلال موسم رمضان، لما أولي من اهتمام على مستوى مختلف أبناء وعناصر الأسرة في البيت العربي، الذين تستهويهم دراما الانتقال من حال الفقر إلى الغنى، أو من حال الضياع والانحراف إلى تأكيد الذات اجتماعياً». وأضاف: «دور نيللي السجانة في العمل كان دور يسهل لها الانحراف، ففعلت حتى لو ظُلمت باتهامها بالقتل، ويشابهها نوعاً ما دور شريكتيها في البطولة درة الفقيرة التي تجد طريق الانحراف ممهداً ويؤدي بها إلى بيت دعارة، وهو الطريق الذي تستسهله معظم البنات اللاتي تتقاطع بهن الطرق». وأضاف: «ثالثة الأثافي كان الدور الذي جسدته النجمة روبي نجمة الشباب منذ دراجتها العتيقة في كليبها الأشهر في التسعينات، لتأتي من خلال قصة هي أشبه بدور عادل إمام في فيلمه الكلاسيكي «رجب فوق صفيح ساخن»، إذ تأتي روبي من بلدها وقريتها البعيدة إلى ضوضاء المدينة، لتجد نفسها ضائعة في محور الخدمة في البيوت ثم ينتهي بها المطاف إلى الإعدام». وشدد فقندش على أن المسلسل قدم القصة النمطية بشكل جميل من ثلاثي العمل، ما عزز نسبة إبداع بطلات المسلسل، «وكذلك دوران الكاميرا ودخولها مواقع كنا شاهدناها مع النجمة الراحلة ماجدة الخطيب في سجن القناطر في أحد أفلامها». وأثنى فقندش على المخرجة كاملة أبوذكرى، ووصفها ب«العين الجميلة والذكية الباحثة عن إعجاب أعين المشاهدين في أعمالها».