يعيش «الفلول» هذه الأيام أسعد أيام حياتهم وأبهى عهود انتصاراتهم وأزكى ساعات إنجازاتهم، فبعد مرور عامين على الثورة المصرية التي أسقطت نظاماً فاسداً طاغياً وطاردت رموزه ذات اليمين في انتخابات برلمانية وذات اليسار في إعادة انتخابات رئاسية، وسخّرت مهارات تقنية لسن لوائح نهائية لأسماء «الفلول»، الحاضر منهم والغائب، المتخفي منهم والظاهر، وحشدت جيوشاً شبابية تلف الميادين وتجوب المدن لتحذير العباد وتوعية النساء من مغبة عودة «أشاكيف الفلول»، باتوا اليوم حديث الساعة وموضوع الساحة. ساحة السياسة المصرية أصابها دوار عجيب مريب بعدما اعتلاها رجال وقفوا على قلب ثائر واحد، أو هكذا هيئ لهم، ينددون بفلول النظام ويرسمون لهم قوائم العار ويسطّرون عنهم قصص الطغيان والفساد. لكن ثوار الأمس القريب انقسموا بعد الدستور العجيب والاستقطاب السخيف ليجدوا أنفسهم وقد انقسموا قسمين: الأول يحكم البلاد ويسيطر على العباد ويتهم كل من يقول له «ثلث الثلاثة كام؟» بأنه «فلول» ومن عهد المخلوع، والثاني باق على عهد الثورة يطالب بالتغيير وملتزم بالتطهير ومندهش من تعاون مثير وتحالف غريب بين رفاق الأمس القريب من «الإخوان» وأعداء الأمس واليوم وكل يوم من «فلول» النظام. «فلول النظام»، هذا اللفظ المبتكر ذو المعنى المفتخر تحول من وصف لكل من كان جزءاً أو كلاًّ أو متضامناً أو منتفعاً أو مداهناً للنظام السابق، إلى سلاح للتشويه وأداة للترويع، فمنذ قررت جماعة «الإخوان» بجميع مكوناتها الرئاسية والجماعية والحزبية والحليفية أن تكون أداتها في مناهضة المعارضة المتمثلة في «جبهة الإنقاذ الوطني» هي «تفليلها»، أي وصمها بالفلول، انضم «الفلول» فعلياً إلى قائمة أدوات الإسلام السياسي المستخدمة لتكسير عظام المعارضة جنباً إلى جنب مع الجنة والاستقرار والعجلة إيجاباً، والنار والفوضى والفلول سلباً. نار «الفلول» التي أشاعت الذعر بين جموع المصريين الذين صوتوا ب «نعم» لدستور «العجلة تدور»، مازالت تشكل نواة أحاديث أنصار الاستقرار، فها هو رئيس مجلس شورى «الجماعة الإسلامية» عصام دربالة يهنئ «الشعب الذي لم ينخدع بالحملات المشوشة من قبل قنوات الفلول»، وصحف «الإخوان» تؤكد أن «الفلول حاولوا تضليل الناخبين هنا وهناك لكن الحق ينتصر في النهاية»، والداعية المثير للجدل أحمد المحلاوي يؤكد أن من هاجموا مسجد القائد إبراهيم «مستأجَرون من قبل الفلول»، أما قانون العزل السياسي الذي طالب به ثوار الأمس الذين باتوا في عرف الإسلاميين «فلولاً» اليوم، يقف ساكناً بلا حراك. أما الفلول الحقيقيون، فلهم كل الحق في أن يبتهجوا ويهللوا، لا سيما وأن عدداً من رموزهم باتوا أعضاء معينين في مجلس الشورى بقرار من الرئيس «الثوري» المنتخب. وفي ضوء هذا اللغط الفلولي، ظهرت «هاشتاغ» على موقع «تويتر» أطلق عليها «فضائح تعيينات الشورى»، وجاء فيها: «العوا (الدكتور محمد سليم العوا) بعد خدمة الإخوان في التأسيسية اعتذر عن التعيين في الشورى، لكن مدير حملته الانتخابية وممولها محمد مؤمن تم تعيينه»، «القصبي (شيخ الطرق الصوفية عبدالهادي القصبي) عضو لجنة سياسات في الحزب الوطني وفضية سالم (عضو مجلس الشعب المنحل) كانت قيادية في الحزب الوطني في سيناء»، «محمد بدوي دسوقي رجل أعمال في مجلس الشعب 2005 و2010 عن الحزب الوطني الديموقراطي»، «في كل الأعراف الدستورية لا يجوز تعيين أعضاء من اللجنة التأسيسية التي كتبت الدستور في أي مناصب إدارية بعد وضع الدستور»، «أيمن عبدالحليم هيبة من فلول الحزب الوطني في كفر الدوار»، «فضائح تعيين الشورى ما هي إلا لعبة سياسية هات وخد، يعينهم مرسي اليوم باسم التوافق الوطني وينكبّ محامو الإخوان غداً على رفع قضايا لعزلهم»، «مرسي يلعب سياسة صح، يضع يده في يد الفلول، ونحن السذج نرفض ذلك». شروح «تويترية» وافية في شؤون تعيينات الشورى، لكن تصاحبها في الوقت نفسه شروح «إخوانية» وسلفية تستكمل مسيرة بناء مصر الجديدة، ليس على أنقاض الفلول ورموز المخلوع، لكن على أطلال الثوار ورموز التحرير. ويبقى أن المشكلة الحالية ليست في تبادل الاتهامات بالفلولية، ولكن في تحويل دفة نشاط مَن سخّروا أنفسهم لتعقب الفلول، من حركات شبابية، مثل «فلول كافيه»، لرصد تحركات الفلول تحت الطاولة، أو «شايفنكم»، التي ترصد الانتهاكات والمخالفات، أو «إمسك فلول»، والتي نجحت في تحديث نشاطها سريعاً، وبات اسمها «إمسك فلول وإخوان». أما حكمة اليوم المستفادة، فلم تعد «أعداء الأمس أصدقاء الغد» بل «فلول الأمس حلفاء الغد».