لم تفلح علاجات أمراض القلب، على رغم كثرتها، في تأخير ترتيبها سبباً أول للوفيات عالمياً. ولذا تحظى مؤتمرات أمراض القلب باهتمام ملحوظ على أمل أن تأتي بجديد يحمي من خطر هذه الأمراض ويتغلّب عليها. وأخيراً، استضافت مدينة «العين السخنة» الساحلية (شرق القاهرة)، المؤتمر السنوي السابع ل «الجمعية المصرية لدراسة دهنيات الدم وحيوية الشرايين». وحضر قرابة 500 طبيب المؤتمر الذي شاركت فيه «الجمعية المصرية لأمراض القلب»، وركّز على أهمية الوقاية للمرضى ممن أجريت لهم قسطره لأوعية القلب، أو رُكبّت فيها دعامة لتقويتها. قلوب شابة تهوي وأعلن رئيس المؤتمر الدكتور أشرف رضا، أن عمر إصابة المصريين بالذبحة الصدرية وضيق الشرايين التاجيّة التي تُغذّي عضلة القلب، هو أقل ب10 سنوات من الدول الأخرى، بسبب زيادة نسب الإصابة بارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول والسكري، وعدم ممارسة الرياضة. وتحدّث رضا عن بحوث ميدانية بيّنت وجود زيادة في أعداد الإصابة بأمراض القلب والشرايين التاجيّة عند المصريين في أعمار شابة، وأن النساء كُنّ بعيدات نسبياً عنها بسبب هورموناتهن وتأثيراتها إيجاباً في هذا الأمر، مع الإشارة إلى أن التدخين وعادات الغذاء غير الصحيّة، تساهم في نشر هذه الأمراض بين الذكور والإناث. وأفاد رضا بأن خلل دهنيات الدم وزيادة الكوليسترول يأتيان في مقدم أسباب ظاهرة انسداد الشرايين التاجيّة، وزيادة المضاعفات الناتجة منها، وعدم الاستفادة الكاملة من علاجاتها. وقال: «إذا لم يكن المريض على دراية بإرتفاع مستوى الكوليسترول، فلربما وقع في مشاكل صحيّة. عندما يتجاوز المستوى حدوداً معيّنة، ترتفع مخاطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية. ولنتذكر أن هناك خطورة مُضافة للإصابة بهذه الأمراض بالنسبة الى الرجال فوق ال45 عاماً والنساء فوق ال55 عاماً، ومن يعانون السُكّري والوزن الزائد وارتفاع ضغط الدم. ويتوجّب على هؤلاء فحص مستويات الكوليسترول كإجراء وقائي». وبيّن رضا أن التدخين يعتبر من أهم أسباب الإصابة بأمراض القلب. وقال: «لا تزيد نسبة المدخنين الذين يستجيبون لأدوية الكوليسترول، على 12 في المئة، وهي نسبه ضئيلة جداً، وبالتالي تزداد فرص إصابتهم بأزمات قلبية. ويعتبر ارتفاع الكوليسترول من الأسباب الرئيسة المؤدية لفشل علاج أمراض القلب. وأثبتت الدراسات أن نسبة نجاح العلاج الدوائي في إيصال مرضى ارتفاع الكوليسترول، الى المستوى المطلوب للوقاية من الأزمات القلبية، لا تتعدى مصرياً ال 32 في المئة، وهو رقم منخفض تماماً». وفي سياق متّصل، بيّن الدكتور شريف الطوبجي، رئيس «الجمعية المصرية لأمراض القلب»، أن غالباً ما يتجاهل الجمهور الواسع مسألة قياس مستوى الكوليسترول في الدم، ويتعامل مع ارتفاعه كأنه أمر ثانوي. وأشار إلى ضرورة رفع الوعي بمخاطر ارتفاع الكوليسترول في الدم، وتبيّان أنه يؤدي الى إبطاء تدفّق الدم، بل توقّفه كليّاً، ما يحول دون وصول الأوكسجين إلى القلب والدماغ، والتسبّب تالياً في نوبة قلبية أو سكتة دماغية. وأضاف: «تعتبر أمراض القلب وسكتات الدماغ سبباً رئيساً للوفيات عالمياً، إذ يقدّر عدد الذين يفقدون حياتهم سنوياً جراء أمراض القلب ب17.3 مليون شخص. وبحسب تقديرات «منظمة الصحة العالمية»، من المتوقّع أن يفقد 23.6 مليون شخص حياتهم بسبب أمراض الأوعية الدموية، وخصوصاً نوبات القلب، مع حلول العام 2030. وفي منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً منطقة الخليج، تتصاعد مخاطر أمراض القلب في شكل ملحوظ بين شريحة السكان التي تضمّ متوسطي الأعمار». أزمة الدهون وأوضح الدكتور محمد صبحي، رئيس قسم القلب في كلية الطب في جامعة الإسكندرية، أن دراسة عالمية أكّدت إصابة المصريين بذبحة الصدر، وتصلّب الشرايين التاجية، عند عمر يقل 10 سنوات عن الدول الأخرى. وأشار إلى أن المصريين الذكور يُصابون بها في عمر ال 30 عاماً (والمعدّل عالمياً هو 40 عاماً)، والسيّدات في سن ال 40 عاماً (المعدّل عالمياً هو 50 عاماً). وحضّ صبحي على إجراء فحوص طبيّة تتصل بالكشف مُبكّراً (في عمر أقل من 30 عاماً) عن أمراض القلب. وأوضح صبحي أن «الجمعية المصرية لأمراض القلب» اعتمدت النتائج الخاصة بمصر في تلك الدراسة التي استمرت لمدة عام، وحملت إسم «أكسس ريجيستري» Access Registry. واستطراداً، بيّن أن الدراسة شملت 9700 مريض في 19 دولة نامية من بينها مصر، وأجريت في 134 مكاناً في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط. ولفت صبحي إلى إحصاءات صدرت أخيراً عن «منظمة الصحة العالمية»، أشارت إلى أن نسبة السُكّري في مصر هي 16 في المئة، وضغط الدم 26,7 في المئة، والدهون والكوليسترول 19,4 في المئة، والسُمنة 66 في المئة، وعدم ممارسة الرياضة 70,4 في المئة، وضآلة تناول الفواكه والخضراوات الطازجة 79 في المئة، والمدخّنين 28 في المئة. ونسب صبحي هذه الأرقام الى دراسة «أكسس ريجستري» التي نُشِرَت في مجلة أميركية هي «أميركان هارت جورنال» المتخصّصة بأمراض القلب. وأوضح صبحي أن النتائج المتّصلة بمصر تفرض المناداة بإجراء فحوص مُبكّرة لمن لديهم عوامل وراثية تتصل بأمراض الضغط والسكري وارتفاع الدهون، مع التشديد على ان التدخين يشكّل عامل خطورة أيضاً. ولفت إلى أن الدراسة وجدت أن نسبة من لديهم ارتفاع في ضغط الدم تمثل 54 في المئة ممن يصابون بالذبحة، وتمثّل الدهون 40 في المئة منهم، فيما يشكّل السكري ما يراوح بين30 في المئة و35 في المئة منهم، والمُدخّنون قرابة ال30 في المئة. في السياق عينه، أشار الدكتور عادل الاتربي، وهو رئيس قسم القلب في كلية طب جامعة عين شمس، إلى أن الاتجاه العالمي الآن يركز على إجراء البحوث لاستكشاف أساليب جديدة للوقاية من أمراض القلب. وأشار الى أن علاج الأزمات القلبية خلال الساعات الثلاث الأولى من حدوثها، يخفض إمكان إجراء قسطرة أو وضع دعامة أو بالون، في شرايين القلب. «أما إذا تأخر العلاج إلى ست ساعات، فيصل الأمر إلى مضاعفات خطيرة». وكذلك أفاد الدكتور دافيد وود، أستاذ أمراض القلب في «لندن إمبريال كوليدج»، بأن بحوثاً حديثة ل»الجمعية الأوروبية للقلب» تناولت مسألة الوقاية من أمراض القلب، وقدّمت توصيات لضمان نجاحها. وشملت هذه التوصيات، التوقّف نهائياً عن التدخين، الالتزام بممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة على الأقل ثلاث مرات أسبوعياً، التخلّص من السمنة، اتّباع نظام غذائي صحي، والحفاظ على مستوى طبيعي للسكر وضغط الدم، وتجنّب التوتر النفسي الشديد، والحفاظ على مستوى طبيعي للكوليسترول. وأضاف وود أن أمراض القلب تؤثر في المرأة والرجل على حد سواء. وقال: «أفادت إحصاءات حديثة بأن نسبة الوفيات من أمراض القلب قبل سن ال75 عند النساء هي قرابة ال42 في المئة، وعند الرجال قرابة ال 38 في المئة».