بطولة العالم لألعاب القوى التي تنطلق في 15 آب (أغسطس) الجاري في برلين، مناسبة للحديث عن الأرقام القياسية و"صانعيها" خصوصاً أساطين سباقات السرعة الذين "يقودهم" حالياً العداء الأولمبي أوساين بولت، اذ بات الجميع بانتظار موقعة النهائي الأحد المقبل، المتوقع أن تجمعه مع حامل اللقب العالمي الأميركي تايسون غاي. والسؤال الكبير هل يتمكّن عداؤو النهائي الثمانية أن يسجلوا زمناً دون ال9.9 ث؟ وأضحت "هذه المعضلة" ركناً أساسياً في إنجازات كبار العداءين بعدما كان حاجز ال10 ث خرافياً منذ عقود قليلة، واعتبر حكراً على العدائين "الملونين". في 14 تشرين الأول ( أكتوبر) 1968 حطّم الأميركي جيم هاينز الرقم القياسي العالمي المتمثل ب"جدار" ال10ث مسجلاً 9.95ث، لينضم اليه لاحقاً 69 عداء. واللافت أن هذا العدد لم يتضاعف تقريباً الا في العقد الأخير، وتحديداً منذ عام 1999. ولم يدخل عضوية هذا "النادي" عداء من السحنة البيضاء، باستثناء خلاسي أسترالي يدعى باتريك جونسون، إبن مهاجر إيرلندي تمكّن من تسجيل 9.93 ث في لقاء ميتو الياباني عام 2003، ولم يكرر إنجازه بعدها. وما تقدّم لا يحمل في طياته إشارات عنصرية بل سؤالاً عن تفوق العرق الأسود طرحه كثر في السابق واُشبع دراسة وتحليلاً، لا سيما أن عداءين "بيضاً" إقتربوا من الجدار وأخفقوا في إختراقه. وفي كل مرة تجوز المقارنة تحضر محطة المنافسة الشهيرة بين الأسطورة الأميركي جيسي أوينز والألماني لوتز لونغ في دورة برلين الأولمبية عام 1936، قد أغضب تفوق أوينز "الزعيم" الألماني النازي أدولف هتلر. كثر طمحوا الى هذا المجد لكنهم جاوروه فقط، من البولندي فورونن (10.00ث عام 1984) الى اليابانيين ايتو (10.00ث عام 1998) وآساهارا (10.02ث عام 2001) وسيوسوجو (10.03 عام 2003)، وقبلهم الإيطالي الأولمبي بيترو مينيا (10.01ث عام 1979) والأسترالي شيرفنغتون والكندي ماروزوناريس (10.03 ث عام 1998). وإزاء ما تقدّم، يردّ الأميركي جون سميث مدرّب موريس غرين، البطل العالمي والأولمبي السابق، بقوله ولو من باب المداعبة: "أعطوني عداء أبيض كفوءاً لأجعله يجتاز سباق ال100م بزمن دون ال10ث"، علماً أن الفرنسي كريستوف لومتر هو الأقرب حالياً الى هذا "الإنجاز" بعدما أضحى ثامن أسرع عداء أبيض، مسجلاً 10.04 ث في 24 تموز (يوليو) الماضي خلال بطولة أوروبا في مدينة نوفي ساد الصربية. من جهته ينفي العداء "الأبيض" الأميركي جيريمي وارينر بطل العالم في ال400م وجود أسباب جينية أو فوارق، استناداً الى تجربته الناجحة. ويجزم أن الموهبة مقرونة بالإعداد الصحيح والتدريب المضني تؤدي الى النتائج المرجوة. ويوضح كلايد هارت، مدرّب وارينر، أن إفتقار سجلات الأرقام القياسية في جري السرعة الى عداءين بيض مرده الأساس عامل اجتماعي "اذ يفضّل الشباب البيض عموماً التنقل بالسيارة وقضاء ساعات خلف جهاز الكومبيتوتر بدلاً من الجري والتدريب على المضمار". ويضيف: "في المقابل، لو أتيح للألماني أرمين والأميركي هاري وبوبي موروو الجري على مضامير تارتان، ولو توافرت للسوفياتي فاليري بورزوف (بطل ال100م وال200م في دورة ميونيخ الأولمبية عام 1972) أساليب التدريب الحديثة والتكنولوجيا الموضوعة في خدمتها، لحطموا من دون شك حاجز ال10ث". وموروو (1.90م) الملقّب ب"سهم تكساس" حمل الرقم القياسي العالمي عام 1956 (10.2ث - توقيت يدوي)، وهاري "الألماني الصلب" (1.82م، 71 كلغ) سجل 10.00ث (10.24ث) على مضمار ليتزغروند الترابي في زوريخ عام 1960. وحقق بورزوف 10.07ث في الدور ربع النهائي لل100م في ميونيخ. ويلفت الخبير الفرنسي جاك بياسنتا الى أن غالبية الرياضيين كانوا غير متفرغين للتدريب ويتعبون في عملهم، "وهذا عامل إضافي يجعل النخبة الحالية قادرة دائماً على تحقيق أرقام لا تُقارب بسهولة". وبالتالي فإن أسرار التفوق لا تبدو محصورة دائماً على فئة معينة أو عرق معين، فهناك ظواهر اجتماعية وعوامل مساعدة للبروز، على غرار ما شهدته بريطانيا في السنوات الأخيرة من إقبال فتيات شقراوات على الإقتداء بباولا رادكليف، حاملة الرقم العالمي في سباق الماراثون، والسير على خطاها لعلهن يصلن الى منصات التتويج العالمية. ____________________ * لمتابعة أخبار "العاب القوى - 12": http://berlin.iaaf.org