يحمل رئيس البرلمان العراقي الجديد سليم الجبوري الكثير من الآمال، في إمكان تجاوز المحنة العراقية، وهو من اللحظة التي تسلم فيها منصبه، أثار الإعجاب بطريقة إدارته الحازمة للجلسات، وقدرته على احتواء الخلافات، وإصراره على أن يكون خطابه وطنياً وبعيداً من التعصب. الجبوري في حوار مع «الحياة» يتحدث برؤية القانوني ورجل السياسة عن أبواب الحلول في هذا البلد، ويعتقد أن البداية تكمن في إنتاج تفاهم واسع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى رغم أنه يبدي تفاؤلاً بإمكان تجاوز العراق محنته الحالية، إلا أنه يؤكد أن لا حلول من دون أثمان، ويرى أن إعادة العراق إلى حاضنته العربية هي أولوية سيعمل البرلمان على مساعدة الحكومة في تكريسها، ويشير إلى ضرورة فتح المزيد من الأبواب للتعاون مع المملكة العربية السعودية، وإصلاح ما أفسدته المرحلة السابقة. وهنا نص الحوار: ما هي معايير توزيع المناصب والحقائب واختيار الوزراء في حكومة السيد حيدر العبادي؟ - معيارنا الأول كان منح رئيس الوزراء فرصة اختيار الأصلح من الأسماء المطروحة لتولي الوزارات، ومنحه حق اختيار من يشاء إلى الوزارة التي يشاء في ضوء إمكانات ومؤهلات المرشح، وقبل ذلك تم تحديد نسب مشاركة كل كيان سياسي في هذه الحكومة وأخذ في الاعتبار المكونات ومبدأ الشراكة. لكن، ألم يكن هناك جدل حول نسب التمثيل؟ - نعم، وتمت العودة إلى نسبة التمثيل في عام 2010 بمعنى أن التركيبة السنّية يمكن أن تحظى بثلث المقاعد والنسب الأخرى توزع وفعلاً هذا هو المعيار الذي تم الاتفاق عليه. ومن مجموع 30 موقعاً حصل التحالف الوطني على 15 منها 9 مواقع إلى اتحاد القوى العراقية، 5 إلى الكردستانية وموقع واحد إلى الأقليات، وبالتالي الكل شعر بأنه مشارك. كانت هناك رغبة في توسيع الحكومة، لكن رغبة رئيس الوزراء كانت باتجاه تقليل عدد الوزارات في نطاق مبدأ الترشيق الوزاري، واستجابت الكتل لطلب الدكتور حيدر العبادي في هذا الشأن. وهل تتوقعون أن تكون الحكومة الجديدة مختلفة من حيث الأداء عن سابقتها؟ - نعم، أتوقع ذلك. هذه الحكومة طابعها عملي ومنهجها تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من إصلاحات سياسية، ولأن غالبية أعضائها من البرلمان فسيساعد هذا الأمر في التفاهم في ترسيخ العلاقة وترطيبها بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية من خلال المشاركة في صنع القرار، بالتالي فإن الجانب السياسي لا يكون هو الغالب، لأن الرؤى اليوم متفقة على إدراك حجم الأزمات التي خلفتها الإدارة السيئة وعدم الالتفات إلى مصالح الناس. الداخلية والدفاع ماذا عن مصير الحقائب الشاغرة، لا سيما الداخلية والدفاع؟ - أتوقع حسمها في جلسات البرلمان الأولى الأسبوع المقبل، وهذا ما تم في مكالمة هاتفية جرت بيني وبين السيد العبادي بعد عقد جلسة أولى لمجلس الوزراء الجديد، قلت له إننا بانتظار الاتفاق والوعد الذي قدمته أمام البرلمان، فقال أنا مستعد عندما تعقدون جلسة سآتي بوزراء الأمن. ما الذي تحقق من الشروط السنّية للمشاركة في الحكومة؟ - أعتقد أن وثيقة الاتفاق السياسي تضمنت الكثير من البنود التي كان يتمناها المجتمع السنّي، خصوصاً تحويل ملف المساءلة والعدالة إلى ملف قضائي وقانون العفو وبالذات ما يتعلق بالتوازن وبعض القضايا الأساسية التي نعتبرها مهمة مثل الحرس الوطني وغيرها. لكن بعض هذه المطالب تقع على عاتق البرلمان وليس الحكومة؟ - نعم صحيح. كقوى سياسية موجودة في البرلمان وهو تركيبة سياسية يلعب التحالف الوطني فيها دوراً أكبر. وضعنا استراتيجية لتجاوز هذه المشاكل مثلاً: أمامنا قانون مجلس الاتحاد والمحكمة الاتحادية والقوانين التي نعتبرها مهمة في بناء الدولة، وحتى يعد القانون معمولاً به اشترطنا ألا تعرقل الحكومة تشريعه وهذا هو المهم. سابقاً لم يتمكن البرلمان من تشريع أي قانون حيث كانت الحكومة تحتج بأنها يجب أن تقدم مشاريع القوانين، ولذلك اتفقنا على أن ننسق جهودنا مع الحكومة حتى لا يكون هناك مجال للطعن. الإقليم السنّي في أي خانة تضعون خيارات الإقليم السنّي في ضوء انتشار تنظيم «داعش» في هذه المناطق؟ - إنه خيار دستوري مطروح، لكن في قناعاتي الخاصة، علينا أن نفكر باللامركزية الحقيقية ثم نمضي فترة من الزمن ونقيس مقدار نجاحنا فيها من خلال توسعة صلاحيات مجالس المحافظات، وعدم عرقلة الحكومة لها، بعد ذلك يمكن أن نعرف مقدار تأهلنا إلى تشكيل ما يسمى الأقاليم، ولكن ليس بمفهوم الإقليم السنّي، بل بمفهوم المحافظة التي تتحول إلى إقليم، هذه قناعاتي الشخصية. أنت مع فيديرالية إدارية أكثر منها سياسية؟ - طبعاً، الفيديرالية هي نتاج شعور سياسي ولم يتم الحديث عن فيديراليات إلا بعد الشعور بتهميش الأطراف من جانب المركز، ما اعتبر حينذاك خلاصاً للسكان، لا سيما أن الوضع الأمني كان مؤذياً في آليات تعامل المركز بهذا الملف، فعندما تأتي قوات من بغداد لتعتقل ناس وفق معلومات غير دقيقة، فإنها تدفع المواطنين للتوجه إلى كل السبل ومنها تشكيل قوات محلية، وهذه لا تتحقق إلا في ظل وجود إقليم. تجربة كردستان أعطت نموذجاً، لا سيما سعي هذه المحافظات بالبحث عن الأمان، وعدم ربط أمنها بسياسة حكومة مركزية قد تكون أحياناً تدفع ضريبتها المحافظات الأخرى، إضافة إلى البحث عن نمو اقتصادي. كل هذه عوامل ساعدت على تفعيل فكرة الأقاليم. فكرة تشكيل الحرس الوطني في المحافظات، هل سيساهم في إيجاد حلول؟ - الحرس الوطني بموجب الفكرة الأولية لهذا المشروع مرتبط بالمحافظ، ولا يعمل إلا بموجب قانون وهو تعميق للامركزية ومنحها قدرة أكبر على تفعيل دورها وهذا يتفق مع روح الدستور. هناك تحالف دولي معلن للحرب على الإرهاب، كيف تقوّمون قدرة مثل هذا التحالف؟ - ابتداء، نحن نرحب بكل الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب والتطرف، ولكن يجب أن تكون تلك الجهود والجهود المحلية مستندة إلى برامج متكاملة وليست جزئية أولها مواجهة الإرهاب عسكرياً، وثانياً المحافظة على أرواح المدنيين، وثالثاً أن يساهم الأهالي بطرد التنظيمات الإرهابية، ورابعاً أن يدعم الأهالي من جانب المؤسسة الحكومية وتوفير فرص العيش الكريم بما يمكنهم من انتشال أبنائهم من براثن المسلحين، ومنعهم من الانخراط في المجموعات الإرهابية والأهم هو مواجهة التنظيمات المتطرفة فكرياً، لأن تنظيمها قائم على أساس فكري. ونود التشديد على أن العمليات العسكرية التي سيقوم بها هذا التحالف يجب أن تكون ضد الإرهابيين حصراً، وتجنب استهداف المدنيين الأبرياء، فمحاربة الإرهاب مطلوبة لكن المحافظة على أرواح المدنيين لها الأولوية. يرى البعض أن تشكيل الحرس الوطني هو إعادة لإنتاج تجربة الحرس الثوري الإيراني؟ - الحرس الوطني هو استنساخ لتجربة دول عدة أوجدت مثل هذه التشكيلات مثل أميركا التي تطبق هذا النظام، وحتى في الأردن هناك قوة تسمى الدرك وفي إيران والمملكة العربية السعودية كذلك. الأمر ليس غريباً، وهي عملية توزيع أدوار حيث يقوم الجيش بتأمين حدود البلاد، ورد أي اعتداء خارجي عليها وهناك مؤسسة عسكرية تحمي الأمن الداخلي، وسيكون الحرس الوطني جزءاً من المنظومة الأخيرة. ولكن، هل ستكون هناك ثلاثة جيوش شيعية وكردية وسنّية؟ - لا، لا، إطلاقاً الجميع مرتبط بمؤسسة الدولة، ونحن لا نقبل بأن يكون هناك جيش سنّي وجيش شيعي إطلاقاً. بالنتيجة سيكون هناك قانون يربطهم بإرادة واحدة وإدارة مشتركة وهي الإدارة المركزية. لا غرابة في أن يتمركز سكان منطقة أو محافظة ما بلون معين، في رأينا غير مقبول وغير صحيح أن يدافع أبناء محافظة عن محافظة أخرى وهذه الطريقة أثبتت فشلها عندما انهار الجيش أخيراً، ولكن عندما يشعر الجندي بأنه يدافع عن محافظته سيكون دافعه وعزيمته أكبر. هناك حزمة قوانين معطلة على رفوف البرلمان وأخرى نص عليها الدستور لم تشرّع بعد. - صحيح، القوانين المعطلة داخل البرلمان أحصيناها، وبلغ عددها 16 مسودة تأخر تشريعها، هي مجلس الاتحاد، والمحكمة الاتحادية وبعض القوانين التي تتعلق في بناء مؤسسات الدولة وأخرى تختص بالحقوق والحريات، بالتالي وضعنا سقفاً زمنياً لتشريع كل المتعلق منها، خصوصاً أن بعضها معقد مثل النفط والغاز. وقانون المحكمة الاتحادية الذي مضت عليه ثماني سنوات لم يشرع. نمتلك الإرادة ولدينا القدرة على أن تكون هذه الدورة التشريعية هي عملية حسم لكل التشريعات المعلقة. أتصور أن هناك حالة من الانسجام توفر البيئة لإنهاء الخلافات حول القوانين، ولا يفوتني أن أذكر قانون الأحزاب وحرية التعبير عن الرأي وهي من القوانين المهمة، في حال تم الاتفاق عليها ستعطينا مساحة أكبر من التفاهم السياسي وعدم تجاوز بعضنا الآخر. هل تشعر بأن البيئة البرلمانية اليوم يمكن أن تساهم في تقويض الخلافات؟ - المشاكل الأمنية ضاغطة، لكن وجدنا روح الفريق الواحد وهذا ما لمسته بصراحة داخل مجلس النواب، فهناك رغبة في التعاون، والدليل أن البرلمان بعمر شهرين استدعى تقريباً عشرة وزراء، وقيادات عسكرية تأتي لأول مرة على مدى أربع سنوات، إنها سابقة فما كان يسمح لهؤلاء بالمجيء كنوع من التمرد على البرلمان، الآن حضروا، وهم مستعدون للمساءلة، والتوصل إلى نتيجة. كل هذا كانت تقف خلفه روح التعاون، أما في ما يخص العمل مع الحكومة الجديدة التي يرأسها ابن المؤسسة التشريعية بالتأكيد سيكون هناك تعاون أكبر. فلسفة جديدة في التعامل هناك من يدعو إلى نقل ملف المصالحة الوطنية من مجلس الوزراء إلى رئاسة الجمهورية. - المصالحة الوطنية مشروع مشترك يجب أن تشترك فيه جميع الجهود. رئاسة الجمهورية حريصة عليه، ولكن البرلمان في الوقت نفسه سيشكل لجاناً معنية بهذا الجانب وينبغي ألا تغيب جهود الحكومة عنها. المصالحة ليست شعاراً، بل ممارسة لها أثر يجب أن يلمسه الناس وأن يعي الجميع أنهم يرتبطون بمصير واحد، وبالتالي بلورة رغبة جادة في إيجاد فلسفة جديدة في التعامل مع هذا الملف. عشر سنوات ماضية أثبتت أن طريقة إدارة ملف المصالحة لم تكن صحيحة والآلية التي تم العمل بها، كانت عبارة عن مؤتمرات وندوات، لكننا الآن علينا إيجاد مشروع جاد يشارك به الجميع بمن في ذلك المجتمع المدني. هناك من يرى أن المصالحة يجب أن تبدأ من رجال الدين. - رجال الدين عامل مساند لا ينكر دوره، وهم مفصل مهم، لكن الأهم من ذلك إجراء مصالحة مجتمعية وفق تطابق الأفكار والرؤى السياسية. ماذا عن سلاح الفصائل المسلحة في ضوء المصالحة، قلتم ل «الحياة» في وقت سابق إنكم تلقيتم اتصالات من مسلحين يرغبون في دخول العملية السياسية؟ - كثرٌ من هذه الفصائل يرغب بالانخراط في المصالحة الوطنية، لا سيما بعد مراجعات قاموا بها، لكنهم يسعون إلى تلبية شروط يعتقدون أنها مهمة، ويريدون الاطمئنان إلى أن انخراطهم في العملية السياسية لا يتناقض مع مبادئهم، وفي جو يحترم الجميع ويحترم المواطن العراقي هذا هو أساس ما يسعون إليه. خطط إعادة بناء القوات المسلحة خلال الفترة المقبلة ودعوة رئيس الجمهورية أخيراً الى تشكيل مجلس أعلى للدفاع، كيف تعلق عليها؟ - هي حالة أشبه بمجلس السياسات الاستراتيجية، ولكن رئيس الجمهورية وفق الدستور هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، صحيح للأغراض التشريفية، ولكن ينبغي ألا يغيب دوره كراع للدستور وحامي المؤسسة العسكرية. هل أنتم مع تشكيل مجلس أعلى للدفاع؟ - سابقاً، كان رئيس الجمهورية يغيب عن باله الاهتمام بهذا الملف وكان يبتعد كثيراً عن الحضور فيه. أعتقد أن رئيس الجمهورية الحالي يعمل على أن يكون له حضور حتى في طريقة إيجاد فلسفة عسكرية وطريقة تعامل مع الأوضاع. علاقات العراقية الخارجية كيف تقوّمونها، خصوصاً على مستوى العلاقات مع المحيط العربي؟ - النقطة الأهم هي أن يعود العراق إلى حاضنته العربية، هذا هو المهم ونحن سنبذل جهداً كبيراً في هذا الجانب كجزء من التزامنا، وهو فتح آفاق التعاون مع دول عربية وإقليمية. المملكة العربية السعودية يجب ألا ينكر دورها وأهمية حضورها في الساحة العراقية، وعلى الحكومة الجديدة أن توجد فرصاً مستمرة للتعاون، خصوصاً بعد الترحيب السعودي الأخير بالحكومة العراقية، ومشاركتها الفاعلة في الجهد الدولي للحرب على الإرهاب، ودعوة العراق إلى حضور مؤتمر جدة، المرتكز الذي يجب أن ينطلق منه العراق هو واقعه العربي والإقليمي، وعلينا إصلاح ما أفسدته المرحلة السابقة، وننطلق بمفهوم المصير المشترك والأخطار التي تهدد الجميع. وإيران؟ - إيران لاعب مهم في العراق ويجب عدم إنكار ذلك، لكن يجب أن نقف عند حدود المصالح المشتركة المتبادلة من دون التدخل في خصوصيات الدول، والحال ينطبق على تركيا أيضاً. ما هو مشروعكم كبرلمان لإعادة العراق إلى حاضنته العربية؟ - نحن سنشرع كبرلمان بزيارات إلى عدد من الدول العربية بوفود تمثل الطيف الاجتماعي والسياسي، ونحن حريصون على هذا الجانب، وسنساعد الحكومة على أن يكون لها حضور فاعل في القضايا والاهتمامات العربية المشتركة.