اتخذ مجلس النواب (البرلمان) الليبي الجديد قراراً بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي الصدّيق الكبير، وإحالته إلى النائب العام للتحقيق معه، بعد امتناعه عن حضور جلسة للبرلمان في طبرق لمناقشة مخالفات مالية مزعومة في المصرف. وصوت على قرار الإقالة 94 نائباً من أصل 102 حضروا الجلسة، لكن المؤتمر الوطني (المنتهية ولايته) رفض القرار باعتباره «غير قانوني وغير نافذ»، نتيجة «عدم شرعية اجتماعات برلمان طبرق»، كما قال الناطق باسم المؤتمر عمر حميدان. غير أن هذا السجال أدى إلى إقحام المصرف المركزي في الصراع، الأمر الذي لا يخلو من تبعات. وكان الصدّيق الكبير عاد إلى العاصمة طرابلس قبل يومين، وأصدر قراراً يقضي بإحالة نائبه علي الحبري إلى الدائرة القانونية في المصرف، على خلفية إصدار الأخير قراراً بتحويل 80 مليون دينار ليبي من حساب المؤتمر الوطني المنتهية ولايته إلى حساب البرلمان الجديد المنعقد في طبرق، وذلك من دون موافقة المحافظ. كما شمل قرار الصدّيق الكبير عدداً من الموظفين الآخرين الذين لهم علاقة بتحويل المبلغ. وطلب المحافظ عقد اجتماع عاجل مع مجلس إدارة المصرف وإدارته التنفيذيّة، لإلغاء القرار الذي اتخذه الحبري في غيابه. وأشارت تقارير إلى أن البرلمان الليبي كلف الحبري القيام بمهمات محافظ مصرف ليبيا المركزي وتسيير شؤون الإدارة في المصرف. يذكر أن الحبري من سكان بنغازي وكان يشغل منصب مدير إدارة الشؤون المالية والإدارية في مشروع النهر الصناعي قبل ثورة 17 شباط (فبراير 2011) التي أطاحت العقيد معمر القذافي. ويأتي قرار إقالة الصدّيق الكبير على خلفية الصراع، بين البرلمان الداعم لحكومة عبدالله الثني، والمناهضين لهذا البرلمان المنضوين في إطار عملية «فجر ليبيا»، والذين سيطروا عسكرياً على العاصمة طرابلس نهاية الشهر الماضي. ولم يعرف على الفور ما إذا كان الصدّيق الكبير سيلتزم قرار إقالته، أم إنه سيواصل مهماته في مركز عمله، ما يهدد بقيام سلطتين ماليتين في ليبيا. ووصف المؤتمر الوطني العام الذي استأنف عمله بعد انتهاء صلاحيته، قرار البرلمان بأنه «يدل على عبث مجلس النواب بالدولة وأجهزتها». وقال الناطق باسمه عمر حميدان ل «الحياة» إن قرار إقالة الصدّيق الكبير «غير قانوني ومرفوض. ونحن نؤكد أن البرلمان لا يملك المشروعية التي تؤهله لإصدار قرار الإقالة أو التصرف بالمصرف المركزي الذي هو من مؤسسات الدولة التابعة للمؤتمر الوطني العام، ولا يجوز تغيير مركزها الوظيفي إلا بقانون، ونحن نحرص على استقلاليتها». وأضاف حميدان: «لذلك، ندعو الكبير وجميع العاملين في المصرف المركزي إلى الالتزام بالقانون وعدم مخالفته». وأوضح الناطق باسم المؤتمر أن الصدّيق الكبير الذي «زاول مهامه في المصرف المركزي بمهنية، ووفق قوانين وتشريعات إدارية، لم يأته ما يفيد قانوناً بتغيير تبعية المصرف المركزي الولائية، كما أنه لم يتسلّم ما يفيد بأن المؤتمر الوطني العام سلم مهامه للبرلمان، وأن الأخير تسلمها من المؤتمر». وأشار حميدان إلى أنه «في حال قبول الكبير قرار إقالته فإنه يعتبر متحيزاً لجهة انقلابية» في إشارة إلى البرلمان الجديد. وفد إقليمي في طبرق ومعلوم أن المجتمع الدولي لا يعترف باستمرار المؤتمر في مهامه، ويعتبر البرلمان الجديد ممثلاً وحيداً للشرعية في البلاد. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره المصري سامح شكري أكدا في اجتماع لهما في القاهرة السبت، دعمهما للمؤسسات الشرعية في ليبيا وضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة. وقال كيري في مؤتمر صحافي بعد اجتماعه مع شكري: «ناقشنا الحاجة الواضحة إلى دعم الحكومة المنتخبة في ليبيا»، في إشارة إلى البرلمان، مؤكداً أن البلدين «يتفهمان ضرورة مواصلة الدفع باتجاه حل سلمي». وأردف الوزير الأميركي أن «الشعب الليبي وممثليه المنتخبين هم وحدهم من في وسعهم أن يقرروا أن الوقت حان لحل خلافاتهم عبر الحوار السياسي البناء. ونحن نأمل بأن يتخذوا هذا القرار في أسرع وقت ممكن»، مشيراً إلى أنه أجريت انتخابات، و «هذه الانتخابات كانت لها مخرجات، ويجب على الجميع احترامها». وتجدر الإشارة إلى أن البرلمان استقبل في طبرق (شرق) أمس، وفد دول الجوار برئاسة مساعد وزير الخارجية المصري محمد بدر الدين زايد وسفراء تونس والجزائر والسودان والنيجر، لمناقشة مقررات مؤتمر دول الجوار الذي عقد في القاهرة في 28 آب (أغسطس) الماضي. كما زار مقر البرلمان في طبرق أمس، مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الألمانية كليمان بوت. الطوارق يرفضون «التدخل» على صعيد آخر، رفض رئيس «المجلس الأعلى لقبائل الطوارق» في ليبيا، مولاي قديدي، أي تدخل عسكري خارجي مباشر في ليبيا. وقال إن «على الدول التي ترى أن التدخل العسكري هو الذي سيحل المشكلة، البحث عن وسائل أخرى كالمساعدات الإنسانية، التي يجب أن يلجأ إليها المجتمع الدولي». وأوضح قديدي أن «ليبيا تحتاج إلى مساعدة دولية في ما يتعلق بالجانب الإنساني، مشدداً على ضرورة إعطاء أولوية للجوانب الإنسانية». وزاد: «نحن مع أي وسيلة توقف الحرب بعيداً من التدخل الأجنبي المباشر على الأرض، والمجتمع الدولي لا تنقصه الوسائل التي يمكن من خلالها إيقاف هذه الحرب». ودعا قديدي الليبيين إلى الحوار من أجل تجاوز ظروفهم الصعبة.