العنف في ملاعب كرة القدم ظاهرة قديمة جديدة في الجزائر وفي كل العالم تقريباً، لكن هذه الظاهرة أخذت منحى خطيراً في الجزائر مع مقتل اللاعب الدولي الكاميروني إيبوسي بودجونغو الذي كان ضحية مقذوفة رمى بها احد مناصري شبيبة القبائل الجزائري بعد نهاية لقاء الدوري أصابته في الرأس، ما نتج منه نزيف حاد تسبب في وفاته. دماء اللاعب فتحت نقاشاً واسعاً في الجزائر، سياسياً وإعلامياً، حول من يتحمل مسؤولية العنف الآخذ في الانتشار وكيفية محاربته. الاعتداء المفضي للقتل ليس بالحالة المعزولة، بل هي حلقة سبقتها حالات اعتداء شهدتها ملاعب جزائرية عدة، وكاد يقع ضحيتها لاعبون ومدربون لولا أن القدر شاء غير ذلك، فهناك من تعرض لاعتداء بالسلاح الأبيض داخل الملعب، على غرار ما وقع للاعب الدولي السابق عبد القادر العيفاوي، أو اللاعب باجي من نادي شباب البلوزداد، وأيضاً مدرب فريق جمعية وهران بن شاذلي الذي تعرض لطعنة خنجر، وهذه أمثلة على سبيل الذكر لا الحصر شهدتها الملاعب الجزائرية، لكن مقتل إيبوسي في اعتداء على لاعب أجنبي كانت القطرة التي أفاضت الكأس. وتشير إحصاءات قوات الشرطة في الجزائر حول العنف خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى وفاة سبعة مناصرين وجرح 2717 آخرين، من بينهم 1589 شرطياً. أما الخسائر المادية، فكانت وفق التقرير نفسه، تحطيم 567 سيارة، منها 270 تابعة للشرطة، إضافة إلى تخريب العديد من الهياكل والمرافق العمومية. دعوات لوقف البطولة فرحة الجزائريين بفريقهم الوطني وإنجازاته في كأس العالم لم تطل، فأجواء المونديال التي زادت من حماسة الجماهير وتعلقها بكرة القدم لن تلبث أن تتحول إلى أجواء حزن بفعل دماء إيبوسي التي سالت في ملعب تيزي وزو. وفتحت القضية نقاشاً واسعاً حول العنف داخل العائلة الرياضية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، فطالب رؤساء أندية بوقف البطولة، ومنهم من طالب بإجراء بقية المباريات من دون جمهور، كما كان الملف في صلب اجتماعات الحكومة من أجل وضع حد للعنف وتجفيف منابعه. أهم القرارات التي اتخذتها السلطات من أجل مواجهة ظاهرة العنف في الملاعب كانت من شقين، الأول تعلق بإجراءات داخل الملاعب، بتزويدها بالكاميرات وتشديد الإجراءات الأمنية، بخاصة أن الملاعب في الجزائر لا تحتوي على كاميرات مراقبة، ما جعل عملية الاعتداء على اللاعب الكاميروني عندما كان يهم بمغادرة أرضية الملعب لا تصوَّر ولا يُعرف من ارتكب العمل الشنيع. أما الشق الثاني، فبتطبيق إجراءات توعوية، إذ أعلن وزير الاتصال حميد قرين عن جملة إجراءات، منها القيام بحملات تساهم فيها وسائل الإعلام للحد من الظاهرة. وقال قرين بهذا الشأن: «طلب منا الوزير الأول عبد المالك سلال في قطاع الاتصال، تحضير حملة إشهارية (إعلامية) توعوية للشباب الجزائري، وسيكون ذلك عبر جميع الصحف والإذاعات والتلفزيونات الوطنية، ولن تقتصر على العنف في الملاعب بل في شتى الميادين». انتقادات للحكومة ووصفت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ب«الترقيعية»، وبأنها لا تسمح بتجفيف العنف من منابعه، حسبما قال الإعلامي المختص في الشأن الرياضي رفيق وحيد ل «الحياة». وأوضح وحيد: «الحملات التحسيسية كرد على العنف هي في الحقيقة هروب إلى الأمام من السلطات التي تتحمل المسؤولية تجاه ظاهرة العنف في الملاعب، لأن ما حدث لإيبوسي ما هو إلا نتاج تراكم، وخطوة الحملات التحسيسية في الحقيقة رفض لتحمل المسؤوليات والابتعاد من اتخاذ القرارات الردعية التي من شانها حقيقة أن تخفف ظاهرة العنف». ولم يحمّل وحيد السلطات وحدها المسؤولية، بل أيضاً رؤساء الأندية والرابطة والصحافة الرياضية، حيث يدلي رؤساء الأندية واللاعبون بتصريحات نارية خلال المباريات، وتساير الصحافة الرياضية المشهد من خلال نقل التصريحات الميالة للإثارة، لتكون مدرجات الملاعب الفضاء الذي يفجر فيه الغضب والمكبوت. ويشترك وحيد مع الإعلامي الرياضي جمال أومدور في تشخيص ظاهرة العنف في الملاعب، من خلال كونها تعكس فشل المنظومة التربوية وغياب دور الأسرة التي ما عادت تقوم بدورها على أكمل وجه، إلى جانب جملة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية كالبطالة وأزمة السكن والتسرب المدرسي والمخدرات، التي جعلت الشباب يتجه إلى العنف، وكلها عوامل ساهمت في جعل العنف ينتشر بشكل واسع داخل المجتمع عموماً وليس فقط في الملاعب.