إنه مازال موجوداً على رغم هذا الزحام، فما أروعه حين يزهر في الأرض، ما أروع الوفاء وإن تناساه البشر... لقد شدتني حكاية صغيرة كان بطلها حيواناً أعجم ولكنه أفصح، تكلم ذلك الحيوان عن حكاية عن الوفاء ولا أجمل. إنه الكلب، هوا هوا، الذي يبلغ من عمره المديد بإذن الله، سنة واحدة، إذ لم ينس ذلك الصغير الوفي صديقه الطبيب الذي اعتنى به، فقطع خمسين كيلو متراً، لم يغير اتجاهه ولا لحظة ليزوره. هذا الكلب لم يذهب لمالكه الذي باعه لآخر، وكان في المكان نفسه وإنما اختار الطبيب.. والحكاية التي نشرتها صحيفة «تشاينا ديلي» أن كلباً في إقليم «ستشوان» بوسط الصين كان أرسله صاحبه لمستشفى بيطري محلي ليجري له عملية جراحية لتعقيمه وهي عملية تخبر عن ظلم الإنسان وتحكمه في البشري واللا بشري أيضاً لقد بقي الكلب الجريح هناك لمدة خمسة أيام يوليه الطبيب جل اهتمامه ورعايته، ثم يعاد الكلب إلى مالكه الذي قرر بعد ثلاثة أسابيع منحه لآخر، يعشق تربية الحيوانات الأليفة، وذلك على بعد خمسين كيلو متراً من مكان إقامته.ولكن هذا الكلب الصغير حمل في قلبه الكثير من الوفاء الذي يفتقده الكثيرون، فقد عاد ذلك الصغير الوفي ليزور الطبيب بعد 15 يوماً من رحيله لمقره الجديد! لا نلام نحن البشر من أن نغار من هذا الوفاء الذي يحمله حيوان صغير لصديق آنس منه عاطفة صادقة، لا نلام نحن البشر ونحن نرى الوفاء أصبح شيئاً قديماً لا يتذكره أحد.. لقد نسي الإنسان في زحمة ذاته أن هناك أناساً أحبوه وأخلصوا له وحملوا معه همه ذات يوم. إنه يتذكر ذاته ولا شيء غير الذات.. عدم الوفاء في بني الإنسان حقيقة مؤكدة، ولكن أن تلمسها بيدك وفي مواقع كثيرة وفي أوقات متقاربة فهذا شيء مختلف.. لقد اختلفت الأمور في زمن قل فيه الوفاء فأصبحنا نغار من أصحاب الكلاب ومن الوفاء الذي يحاطون به حتى ولو في الصين.. «هوا هوا» زرعت الوفاء حقيقة فذابت حقيقة الوفاء في الإنسان، حيوان، قالوا: وتبجحوا بالاسم وتمنظروا بالجسم وتعاركوا على كل ما يهتف به الإنسان إلا الوفاء فقد ذاب في النسيان تبجحوا يا هوا هوا وتغنوا في كل يوم: إنهم إخوان، ثم لم يصبحوا إخوان.. «هوا هوا» لن أرتجف منك بعد اليوم، وإن قالوا: يعض، فأقول: أعوذ بالرحمن من النسيان ومن شر يطغى على الإنسان.