رفضت المعارضة المصرية أمس تلبية دعوة الرئيس محمد مرسي للحوار قرر له ظهر اليوم في القصر الرئاسي بالتزامن مع انطلاق اقتراع المصريين في الخارج على مشروع الدستور الجديد. وكان مرسي وجه خطاباً للمصريين مساء أول من أمس بدا وكأنه «سكب للبنزين على النار»، اذ لم يلبِ مطالب قوى المعارضة بإلغاء الاعلان الدستوري كما تمسك بإجراء الاستفتاء في موعده، وهاجم قادة المعارضة واتهمهم ب «التآمر». ودعا إلى «النزول على إرادة الشعب»، معتبراً أن «تلك الإرادة لا تعبر عنها التجمعات الغاضبة، وانما تتحقق بالحكمة والتعقل والسكينة، وأن تنزل الأقلية على رأي الغالبية لأن هذه هي الديموقراطية». وزاد إصرار مرسي من احتقان الأوضاع واشتعلت الاشتباكات في أماكن متفرقة في البلاد، ما دعا وزير العدل أحمد مكي إلى محاولة التخفيف من وطأة الأمر، مؤكداً انفتاح مرسي على إلغاء الإعلان الدستوري برمته وإرجاء الاستفتاء على الدستور، وهي أمور لم يتناولها مرسي في خطابه. وأوضح وزير العدل ل «الحياة» أنه تقدم إلى مرسي باقتراحات تتضمن إلغاء الإعلان الدستوري وإرجاء الاستفتاء على الدستور من أجل منح الفرصة للحوار، مشيراً إلى أن «الرئيس أبدى انفتاحه إزاء تلك الاقتراحات لكنه أبدى قلقه من أنه في حال اتخذ تلك القرارات يمكن الطعن على إرجاء الاستفتاء لتعارضه مع الإعلان الدستوري الذي يلزمه ب15 يوماً كحد أقصى منذ تسلمه مشروع الدستور ليوم الاستفتاء». وأشار إلى أن مرسي اقترح عليه حضور رؤساء المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض وقضاء مجلس الدولة جلسة الحوار مع القوى السياسية «بحيث يتم صوغ ما يتم التوافق عليه في شكل قانوني»، ما اعترض عليه مكي «لأنه ليس من المقبول حضور القضاة اجتماعات يناقش فيها أمور سياسية». وأضاف: «اتفقنا على ان ما سيتم الاتفاق عليه بين القوى السياسية والرئيس يتم صوغه في شكل وثيقة على أن تعرض على رؤساء المحاكم لصوغها في شكل قانوني يمنع الطعن عليها». ورفض مكي الخوض في أسباب عدم تضمين خطاب مرسي لما توصل إليه من اتفاق، مؤكداً انه «رجل قانون لا أتدخل في دهاليز السياسية». وشدد على أن لديه «ضمانات بتنفيذ الرئيس ما يتم التوافق عليه مع القوى السياسية»، لكنه انتقد في شدة القوى السياسية التي ترفض الجلوس على مائدة الحوار، معتبراً أن في ذلك «خطورة كبيرة على مصر». وتعهد الاستقالة «في حال لم يتم التوصل إلى توافقات تحقن الدماء». وعن جدوى الحوار مع القوى السياسية بالتزامن مع بدء اقتراع المصريين في الخارج على الدستور، قال مكي ل «الحياة»: «هذه كلها أمور إدارية يمكن تداركها... تصويت المصريين في الخارج غير مؤثر... وفي حال تأكدنا من قبول كل القوى السياسية الجلوس على مائدة الحوار، فمن السهولة إرجاء اقتراع المغتربين». وكان حديث مرسي عن أحداث العنف التي شهدها محيط قصر الاتحادية أثار غضباً عارماً في أوساط معارضيه، إذ أسهب في الحديث عن أن التظاهر السلمي «لا يعني أبداً الاعتداء على المنشآت العامة أو الخاصة، أو تعطيل الطرق والإنتاج». وحين تناول في خطابه الحديث عن ما جرى أول من أمس انتقد «الاعتداء على المتظاهرين السلميين بالسلاح الناري والخرطوش وقنابل الغاز»، من دون ان يوضح من هو المعتدي ومن المعتدى عليه، كما لم ينتقد مهاجمة انصاره في بداية الاحداث المعتصمين في محيط القصر الرئاسي، بل أشاد بهم ضمناً حين حيّي «من جاء يدافع عن الشرعية ودفع في ذلك ثمناً غالياً، وأي شيء أغلى من الحياة؟». وتحدث عن ارتباط بعض الموقوفين في التظاهرات بقوى سياسية لم يسمها، ووصفهم ب «المستأجرين مقابل أموال»، متوعداً بتقديمهم إلى المحاكمات. كما قسم مرسي معارضيه إلى فصائل عندما أكد «التمييز بين السياسيين والرموز الوطنية المعترضة على بعض المواقف والتصرفات السياسية والمعارضة لنص مشروع الدستور فهذا أمر طبيعي ومتفق عليه ومقبول، وبين الذين يغدقون أموالهم الفاسدة التي جمعوها بفسادهم من جراء أعمالهم مع النظام السابق الذي أجرم معه هؤلاء». وقال: «أتواصل بكل رحابة صدر مع النوع الأول، أما من استغلوا الاحداث واستخدموا العنف وأجروا بلطجية بسلاح ويوزعون مالاً فقد آن الآوان كي يحاسبوا ويعاقبوا بالقانون». ودافع عن الإعلان الدستوري الذي أصدره قبل أسبوعين قائلاً ان تحصين قرارته «لا يقصد به إلا القرارات السيادية فقط، وليس منع القضاء من ممارسة حقه أو المواطنين من الطعن على القرارات أو القوانين غير الدستورية». وأبدى استعداده لإلغاء المادة السادسة التي تخوله إعلان الطوارئ. ودعا إلى «حوار مع كل الرموز والقوى السياسية ورؤساء الأحزاب ورجال الثورة وكبار رجال القانون» ظهر اليوم في مقر رئاسة الجمهورية. لكنه حدد اجندة الحوار بترتيبات ما بعد الاستفتاء على الدستور، مشيراً إلى «ضرورة التوصل إلى اتفاق جامع للأمة في شأن بعض النقاط مثل استمرار مجلس الشورى ونظام الانتخابات المقبلة وخريطة الطريق بعد الاستفتاء سواء كانت كلمة الشعب نعم أو لا، وغيرها من الامور المختلف عليها». ويبدو أن الرئيس لن يجد سوى حلفائه الإسلاميين ليجلسوا إلى جواره على مائدة الحوار، إذ سارعت «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تضم أبرز قوى المعارضة إلى إعلان رفضها حضور الاجتماع «لافتقار الدعوة إلى أبجديات التفاوض الحقيقي والجاد». وقالت في بيان أمس إن «دعوة الرئيس تجاهلت طرح المطالب الأساسية للجبهة المتمثلة بضرورة إلغاء الإعلان الدستوري بأكمله، وإلغاء الدعوة للاستفتاء على الدستور». وأضافت أن «الرئيس تجاهل تماماً المطالب الواضحة التي كررتها الجبهة في بياناتها الأخيرة، وطرح اقتراحات لا صلة بالأزمة الحالية التي بدأت مع إصداره للإعلان الدستوري المنفرد وتصميمه على الدفع نحو استفتاء على دستور يعصف بحقوق وحريات المصريين ويؤسس لنظام استبدادي ولا يحظى بتوافق المصريين ولم يشاركوا في صياغته». ووصفت الجبهة كلمة مرسي بأنها «مخيبة لآمال غالبية الشعب المصري، ومخالفة للمطالب المتتالية التي وصلت إليه بطرح حلول توافقية تساهم في الخروج بمصر من الوضع الكارثي الحالي وتحقن دماء المصريين». وقالت إن الخطاب «أنكر الحقائق التي رآها الملايين ووثقتها الصحف والتي تبين بوضوح أن الدماء المصرية الطاهرة التي سالت في محيط قصر الرئاسة، كانت بناء على تحريض واضح وصريح من قيادات جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس ومن حزب الحرية والعدالة» الحاكم. وشددت على «ضروة الإسراع بتنفيذ مطلبها بقيام وزير العدل بانتداب قاض محايد للتحقيق في أحداث الأربعاء الدامي في محيط قصر الاتحادية وتقديم المسؤولين إلى العدالة مهما كان موقعهم السياسي أو الأمني»، مؤكدة أن «دماء المصريين غالية ولا يمكن السماح بأن تضيع هدراً من دون محاسبة». وأكدت «استمرارها في استخدام كل الوسائل المشروعة في الدفاع عن حقوقنا وحرياتنا وتصحيح مسار الثورة من أجل بناء مصر تقوم على الحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية». وأعلنت «حركة 6 أبريل» رفضها التحاور مع «من سالت على أيديهم دماء المصريين من دون القصاص من القتلة». ووصفت الخطاب بأنه «صدمة وخطاب تزييف حقائق من مندوب الإخوان في الرئاسة»، في إشارة إلى مرسي الذي اعتبرت أنه «قرر أن يكشف عن وجهه الحقيقي وأن ينحاز إلى جماعته ويصف معارضيه بالعمالة والبلطجة». وأضافت: «يبدو أن الرئيس مرسي قرأ الكتاب نفسه الذي قرأه (سلفه حسني) مبارك في التعامل مع المعارضة، فتعلم منه أن المعارضين خونة وممولون وبلطجية وقلة مندسة... والتاريخ سيكتب في صفحاته أن رئيساً تم خلعه فجاء من بعده ليسير على طريقته نفسها». في المقابل، أيدت جماعة «الإخوان المسلمين» وقوى التيار السلفي وعدد من الاحزاب الإسلامية و «مجلس أمناء الثورة» الذي يسيطر عليه الاسلاميون، دعوة مرسي إلى الحوار. واعتبرت أنها «المخرج الوحيد للخروج من الازمة». في غضون ذلك، أعربت المفوضة السامية لحقوق الإنسان لدى الأممالمتحدة نافي بيلاي عن قلقها إزاء مشروع الدستور المصري الجديد. وقالت في بيان أمس: «لا ينص مشروع الدستور صراحة على حظر التمييز على أساس الجنس والدين والأصل». وأضافت أنه «في حين يضمن الدستور الجديد بعض حقوق الإنسان، فإن هناك بعض الغموض المثير للقلق الشديد، وفي بعض المجالات فإن الحماية فيها أضعف من دستور العام 1971 الذي من المفترض أن يحل محله». وأشارت إلى «عدم وجود حرية للصحافة بصورة كاملة في مشروع الدستور الجديد».