تمسكت موسكو بموقفها المتحفظ عن تجديد العمل ببرنامج تدمير الأسلحة النووية والكيماوية الموقع مع واشنطن منذ عشرين سنة. وتعمدت الأوساط الديبلوماسية والعسكرية الروسية أمس، عدم التسرع في الرد على دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما لمناقشة آليات جديدة للتعاون في هذا المجال، فيما قال خبراء قريبون من وزارة الدفاع الروسية إن بلادهم تشترط إدخال تعديلات جذرية على بنود الاتفاق «المجحف». ولم يصدر عن موسكو أمس، تعليق رسمي على إعلان أوباما الاثنين، أنه «متفائل في شأن إمكان التوصل إلى صيغة تضمن استمرار التعاون في البرنامج». واكتفت وسائل الإعلام الروسية بنقل تعليقات خبراء مقربين من وزارة الدفاع أكدوا أن موسكو «لا تميل إلى التسرع في فتح باب النقاش حول تجديد العمل بالاتفاق» الذي ينتهي مفعوله صيف العام المقبل. وكان اتفاق التخلص من الرؤوس النووية والكيماوية المعروف بتسمية برنامج «نان –لوغار» وقع بين الجانبين فور انهيار الاتحاد السوفياتي. ونص البرنامج الذي حمل اسمي عضوين في مجلس الشيوخ الأميركي هما ريتشارد لوغار وسام نان، على مساعدة روسيا على التخلص من ترسانتها من الأسلحة النووية والكيماوية الخارجة من الخدمة، وكلف نحو ثمانية بلايين دولار دفعتها الولاياتالمتحدة. وهدف البرنامج الحد من المخاطر الناجمة من تفتت الاتحاد السوفياتي، عبر تشجيع إعادة تأهيل الصناعات العسكرية وحماية التكنولوجيا الحساسة وكذلك الإشراف على الترسانات النووية والكيماوية في دول الاتحاد السوفياتي السابق وتدميرها. وبحسب معطيات رسمية فإن البرنامج المشترك ساعد روسيا في تفكيك أكثر من ستة آلاف رأس نووي ونحو ألف صاروخ عابر للقارات ومخزون هائل من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. ومدد الجانبان اتفاق العمل بهذا البرنامج في عام 2006. وكانا يستعدان لتمديده الصيف المقبل، لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أبلغ نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون في أيلول (سبتمبر) الماضي، أن بلاده لا تنوي مواصلة العمل بالاتفاق الذي وصف بأنه «مجحف لروسيا». وعلى رغم ذلك اختار أوباما مناسبة حضوره مؤتمراً لخبراء في حظر الانتشار النووي في واشنطن، ليدعو الروس إلى العودة لمناقشة هذا الملف وزاد أن «موسكو قالت إن اتفاقيتنا الحالية لا تجاري العلاقة المتغيرة بين بلدينا، ونحن نقول فلنحدثها». وأضاف أن بلاده «تسعى إلى العمل مع روسيا كشريك متكافئ. لنواصل هذا العمل المهم لأمن بلدينا وأنا متفائل بأننا يمكننا أن نفعل ذلك». في المقابل تؤكد موسكو أن «الاتفاق لم يعد يناسب الواقع الجديد في العلاقات الروسية - الأميركية» في إشارة إلى أن موسكو «لا ترغب في مواصلة الحصول على تمويل غربي لتدمير ترسانتها النووية وأنها قادرة على التخلص من أسلحتها المنتهية من دون مساعدة خارجية يمكن أن تشكل عنصر ضغط سياسي أو تعكس عدم الندية في التعامل»، كما قال ل «الحياة» أمس، الخبير في شؤون العلاقات الروسية – الأميركية أليكسي بيلكو. وزاد بيلكو أن موسكو «لا تبدي حماسة للتعامل مع الاقتراح الأميركي لأنها ترغب بتغيير الاتفاق في شكل جذري»، موضحاً أن روسيا لا تعارض مواصلة عمليات تفكيك الأسلحة المنتهية الصلاحية من حيث المبدأ لكنها لن تعود أبداً للصيغة القديمة للاتفاق». ولفت إلى أن المتغيرات التي شهدتها علاقات البلدين خلال السنوات الأخيرة، وصلت إلى مرحلة «تتيح لروسيا إعادة النظر في مجمل الاتفاقات والبرامج التي كانت تربط الجانبين». وكان فريق من الخبراء اعتبر أن جمود المناقشات حول مسألة «الدرع» الصاروخية الأميركية، انعكس سلباً على استكمال جهود «إعادة إطلاق العلاقات» بين البلدين، ودفع موسكو إلى مراجعة مواقفها في كل مسارات التعاون الثنائي. وكانت روسيا أوقفت قبل شهرين نشاط الوكالة الأميركية للتنمية الدولية واتهمتها بممارسة أنشطة سياسية، كما أبدت دوائر عسكرية معارضة قوية لمواصلة مناقشات مع واشنطن في شأن تقليص الأسلحة الإستراتيجية.