تؤدي مؤسسات قليلة تحترف العمل الثقافي دوراً حضارياً ملموساً في ظل الأزمات الاقتصادية والاحتجاجات التي تشهدها أوروبا والمجتمعات العربية راهناً. ويأتي هذا الدور انطلاقاً من إيمان تلك المؤسسات بأن الآداب والفنون ركيزة أساسية في التغيير الاجتماعي. وتأتي في هذا السياق أعمال شبكة المنتدى الثقافي الأورومتوسطي التي اختُتمت دورتها الثانية في عمّان تحت عنوان «دور الفنون في التنمية الثقافية والاجتماعية: المشاركة والإبداع»، وشارك فيها خبراء ومتخصصون من الأردن وفلسطين ومصر ولبنان وتونس وبلغاريا وفرنسا وألمانيا وسلوفينيا. وكان وزير الثقافة الأردني سميح المعايطة ثمّن في كلمته الجهود المبذولة لتعزيز الحوار والتبادل المعرفي الذي يوحّد الشعوب، لأنَّ العالم «فسيفساء ملوّنة» من الهُويات والمكوّنات والعادات والتقاليد، يجمعها «خيطٌ غيرُ مرئيّ من التجانس والرضى وقبول الآخر وتفهّمه»، للتخفيف من الفوضى وويلات الحروب والنزاعات. وأوضح رئيس الشبكة بزنك مصطفى، أنها تسعى إلى البحث الدائم عن حلول لمشاكل الكون المشتركة، وإيصال الفنون إلى الفئات الاجتماعية المختلفة. أما مؤسس الشبكة فريدريك جامبو، فلفت إلى أن الشباب في جنوب المتوسط يطورون مواهبهم، ولديهم مواهب في شتى المجالات، لكنهم يحتاجون إلى شركات إنتاج وإلى شبكات توزيع محلية وعربية ودولية كي يتم التعرف عليهم من خلال نشر موادهم. وأكد ماتياس بيتز، ممثل المفوضية الأوروبية في الأردن: «إننا جميعاً نحتاج أفكاراً إبداعية جديدة للمساعدة في التنمية الاجتماعية»، فيما رأت مديرة مركز الفنون الأدائية لينا التل، أن تحقيق الصناعات الإبداعية لن يتأتى إلا في ظل الاستقرار الأمني والاجتماعي. وتحدثت الدكتورة لينا خميس من جامعة بيت لحم، عن الإنتاج الإبداعي واستهلاكه بوصفهما من أهم القطاعات الديناميكية في المستقبل، لجهة تأثيرهما في الاقتصاد. موضحة أن هناك «فجوة» بين شمال حوض المتوسط وجنوبه في امتلاك الصناعات الإبداعية وفي المناخ المتاح والبيئة المناسبة لنشوئها». وتضمنت أعمال المنتدى أربع ندوات، وإحدى عشرة ورشة عمل، وسوقاً ثقافية، وعروض فيديو لمشاريع فنية، وستة عروض مسرحية وفنية. واستعرض المشاركون خبراتهم وتجاربهم، في ندوة حول «الفنون في التعليم وتنمية مهارات الإبداع»، وكان من المتحدثين فيها رشدي بالقاسمي، وهو تونسي يصمم رقصات دمى العرائس، تناول جدلية العلاقة بين الفن والمكان، عبر سعي المواطن التونسي إلى إسقاط «الديكتاتوريتَين السابقة والحالية» وفق تعبيره، من خلال «امتلاك» الشارع، حيث يلتقي التونسيون بجميع حساسياتهم الثقافية والدينية في الشارع بوصفه «فضاء» حيوياً لبناء المجتمع الجديد. ويلفت بالقاسمي إلى أن روح التسامح التي شاعت في بداية الثورة، بدأت تغيب عن هذا الشارع بسبب ظهور «نزعات التعصب». أما الممهد أولي جليس، من المختبر الدولي للفنون في ميونيخ، فشدد على أهمية مساعدة الشباب من دون تدخُّلٍ في تفاصيل عملهم. وتوقّف مهند نوافلة، مدير قسم المسرح والبرامج الثقافية في المركز الوطني للثقافة في عمّان، عند تجربة المركز في التعامل مع الإبداع ودوره في إحداث «متغيرات كبيرة» في أذهان المشاركين في برامجه. وأكد خالد قطامش، المدير العام للفرقة الشعبية الفلسطينية التي أسست في البيرة (رام الله)، أن مؤسسته دربّت آلافاً من الفلسطينيين، تراوحت أعمارهم بين 20 و50 سنة، بحيث أصبحوا قادة في العمل الاجتماعي. ورأت ماجا لامير جير الخطيب، وهي مساعدة مدرّسة جامعية في سلوفينيا ومتخصصة في علم الإنسان، أن أبرز ما تشتغل عليه هو «الدمج الاجتماعي للمهاجرين العرب في سلوفينيا من خلال النشاطات»، كاشفةً أن هناك مشروعاً يشارك فيه 300 طفل عربي في سلوفينيا، في سياق دمج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية. ودعت توصيات هذه التظاهرة، إلى تعزيز الشراكة والتعاون في حقول المشاريع الثقافية والفنية المتنوعة لبلدان منطقة حوض المتوسط. وطالب المشاركون بإلغاء الحواجز المفروضة على الحصول على تأشيرات دخول بين الدول العربية، ومن جهة أخرى بين العربية والأوربية، وتسهيل عملية اللقاء بين الفنانين في ما بين هذه الدول، خصوصاً دعم تنقل الفنانين الشباب وفِرَقهم. وأشادت التوصيات بنشوء علاقات إيجابية بين المشاركين من وفود الدول العربية والأوروبية، آملةً في تكريس خطوات التقارب بين المبدعين العرب ونظرائهم الأوروبيين. وأثار عقد المنتدى نوعاً من الالتباس، وطرح عدداً من الأسئلة حيال جدوى هذا النشاط وآثاره الفعلية على المواطنين من غير المشاركين فيه، لأن منتديات من هذا النوع يقتصر الحضور فيها على المشاركين أنفسهم، على رغم العناوين اللافتة التي قد ترفعها. ودفع ذلك مدير المشاريع الثقافية في وزارة الثقافة الأردنية الدكتور أحمد راشد، إلى تحميل وسائل الإعلام مسؤولية قلة الجمهور وعدم التواصل مع حدث «كبير» مثل هذا المنتدى. وتضم الشبكة الأورومتوسطية الدولية للثقافة مجموعة من المؤسسات العامة والجامعات ومراكز البحث والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجالات الثقافة والفنون، والتي تقع في أوروبا ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد أَسست «جمعية التنمية الثقافية الأوروبية والدولية» ADCEI – فرنسا، بدعم من الاتحاد الأوروبي، هذه الشبكة في العام 2004، وهي تضم الآن 21 دولة.