لم تعد للمطر فرحة لدى قاطني حي «قويزة» الواقعة جنوب مدينة جدة، إذ تحمل كل قطرة من قطراته قصص وذكريات ضحاياهم الذين لقوا حتفهم جراء كارثة السيول. التجول في حي «قويزة» يسمعك خرير الماء الذي دفع بالضحايا، وصراخ الأطفال وهم يطلبون النجدة، وبكاء النساء أثناء بحثهن عن صغارهن وقد امتلأت الطرقات بمياه جارية تدفع بالموتى، إنه المشهد الذي لا يكاد ينفك من أعين ساكني حي قويزة، فحين تتراكم السحب، تحوم فوق رؤوسهم هموم «السيل» وتبدأ ذاكرتهم باسترجاع تلك المشاهد المحزنة، وتبقى قلوبهم الخائفة متعلقة بين سحابة وأخرى. ورصدت «الحياة» في جولة ميدانية مجموعة من قاطني حي قويزة الذين ارتبط لديهم منظر السحب السوداء بالقصص التي تحمل اللون ذاته من ذكريات مؤلمة. ويروي أحد سكان حي قويزة جمال بانافع، وهو مواطن في العقد الخامس من العمر، ما فقده بسبب السيول الجارفة من سيارتين من نوع «حافلة»، وأخرى اختفت من أمام منزله. ويقول بانافع، وهو يجلس بجانب بضاعة «بقالته» التي يتملكها ماسكاً بآلته الحاسبة، إن «السيول الماضية أحدثت ضرراً كثيراً إذ دخلت إلى المنازل، وكنت من المتضررين كوني من سكان الدور الأول، حيث أتلفت المياه جميع أثاث منزلي». وبنبرة حزينة يستذكر بانافع جاره عبدالله المالكي الذي كان يشاركه الطريق إلى المسجد ويجلس بعد الصلاة مع بقية أهالي الحي والجيران نتناقش في أمور الحياة والبسمة لا تفارق وجهه، إلا أن موته بالسيول غرقاً غيب تلك البسمة التي ارتسمت على محياه التي لن أنساها. أما صالح الزهراني (32 عاماً) فمعاصرته للأيام الصعبة من خلال سباحته في مياه الأمطار وكثرة سماعه عن قصص غرق الكثيرين ممن يعرفهم، جعله يشعر بالرعب كلما يسمع أنباء عن احتمال هطول الأمطار، مما دفعه لأخذ بعض الاحتياطات أثناء هطول المطر، مبتعداً عن الحي ويذهب للتنزه خارجاً أو السفر، إذا صادف هطول المطر وقت إجازة نهاية الأسبوع. وطالب صالح أمانة جدة بسرعة إنهاء المشاريع القائمة في الحي، مضيفاً بأن المشاريع تفتقر إلى وسائل السلامة وتزيد طرق الحي زحمة وربكة. ولا تختلف حال صالح عن المواطن محيي المطيري (50 عاماً)، إذ الأخير يشعر بالخوف عند سماعه أنباء هطول الأمطار، وأصبحت مرتبطة بذاكرة الأحداث التي في الحي عندما دهمت السيول منازلهم، مشيراً إلى عدم تنفيذ الأمانة لمشاريع تفيد سكان الحي وتجنبهم خطر الأمطار، مبيناً أنه فقد في تلك السيول سيارته ومكتب عقاره. فيما تختلف خسائر عبدالله النومي (53 عاماً) عن الآخرين نوعاً ما، كون السيول دهمت مطعمه ما تسبب في وفاة 20 رأساً من الغنم، وإتلاف ثلاث ثلاجات، وفقدان أعداد كثيرة من القدور والصحون وغيرها، مشيراً إلى أنهم واجهوا صعوبة بالغة في مواجهتهم للسيول والخروج من المطعم والنجاة من الغرق، موضحاً أنه لم يصب أحد من عمال المطعم. عبدالرحمن السلمي (23 عاماً) كان خارج الحي حين هطول الأمطار فقد واجه صعوبة كبيرة للتأكد من سلامة عائلته التي كانت في المنزل أثناء الأمطار، معتبراً تلك الساعات أطول ساعات عمره والتي قضاها متوتراً، إذ لم يكن موجوداً في المنزل عندما هطلت الأمطار ودهمت الحي، محاولاً الاتصال بوالده الذي يسكن معه في المنزل نفسه، ولكن هاتفه كان مغلقاً، وقضى ساعات طويلة لا يعلم عنهم شيئاً، ولم يستطع الدخول إلى الحي بسبب المياه، إلا أنه تلقى اتصالاً منهم بعد أن خرجوا من المنزل منتقلين إلى منزل آخر يؤويهم.