كاد ثلاثة سعوديين، أن يفقدوا حياتهم في عرض البحر، على رغم أن العلاقة التي تجمعهم به تربو على 20 عاماً. وعاش الثلاثة ساعات طويلة من «اليأس»، و»فقدان الأمل»، اقتربوا خلالها من «الموت»، مع إحساسهم ب «الجوع والعطش، ودوار البحر». وتلطفت عليهم السماء بقطرات مطر، فارتووا. وواجه الثلاثة كل ذلك إثر تعطل قاربهم في عرض البحر، بعد نزولهم من مرفأ الإبحار في مدينة الدمام، في رحلة صيد. لم يعودوا منها إلا بعد 30 ساعة، حين التقطهم قارب صيد، ونقلهم إلى البحرين. ويسرد جمال الزاهر، ل «الحياة»، تفاصيل رحلته وصديقيه عبدالله إسماعيل، وخالد المشقاب، التي بدأت من يوم الاثنين، عندما خرجوا من منازلهم في محافظة القطيف، إلى أول من أمس (الأربعاء)، حينما عادوا إلى منازلهم، واصفاً هذه الرحلة ب «المميتة». وقال: «حال وصولنا إلى مركز حرس حدود المزروعية، بدأنا الإجراءات التي تسبق التصريح بالنزول إلى البحر، ومنها الكشف على القارب، ومعدات السلامة، إذ تبين أن صندوق الإسعافات الأولية ينقصه المقص، إضافة إلى انتهاء تاريخ صلاحية طفاية الحريق. وكنا قمنا بانتزاع بطارية السيارة، لاستعمالها كاحتياط إضافي في القارب. ولكننا أعدناها إلى السيارة، لنتوجه إلى الدمام، لاستكمال المعدات الناقصة في القارب. وكان الوقت عصراً حينها». وأضاف الزاهر،» استكملنا الإجراءات بعد عودتنا إلى مركز المزروعية. وفي الرابعة والربع عصراً أبحرنا. وعند حلول المغرب؛ توقف القارب بنا في منطقة الصيد، وذلك بسبب ضعف البطارية. حينها تذكرنا بأننا لم نأخذ بطارية السيارة مرة أخرى، بعد توجهنا إلى الدمام. فقمنا بتنظيف الفلتر، وتشغيل القارب يدوياً إلا أنه لم يعمل». وتفاقمت المخاطر على الثلاثة، حين «هبت عاصفة قوية. وأصبحت المياه تدخل القارب. فيما لمحنا باخرة قريبة تنتظر الدخول إلى ميناء الملك عبد العزيز في الدمام. وتبعد عنا مسافة تُقدر بساعتين. وكلما حاولنا الاقتراب منها، كانت تبتعد بسبب شدة الرياح التي جعلتنا نبحر بشكل عكسي، فابتعدنا كثيراً. ولم نعد نرَ أي معالم توضح مكان وجودنا، فالظلام كان دامساًَ حينها. لنكتشف بعد ذلك أننا ندور في حلقة مفرغة». ولم تكن هناك وسيلة اتصال، «إذ لا توجد في أجهزة الموبايل إشارة اتصال. وكنتُ جهزتُ رسالة لإرسالها حال توافر شبكة اتصال. إلا أن ذلك كان من دون جدوى»، مضيفاً «واجهنا عدداً من القوارب. واستخدمنا أطواق وستر النجاة، وفلاش الموبايل، لتنبيههم إلى وجودنا. إلا أنهم لم يتوقفوا لإنقاذنا. ومن المتعارف عليه أن أي قارب يلوح بستر النجاة ذات اللون البرتقالي، فهذه إشارة إلى حاجته إلى المساعدة والإنقاذ». حينها بدأ «اليأس» يتسرب إلى نفوسهم، إضافة إلى إحساسهم ب «الجوع والعطش، ودوار البحر»، مُستدركاً أنه «مع اقتراب الفجر؛ نزل مطر خفيف، فارتوينا». وتوقع الثلاثة أنهم على حدود قطر أو إيران. لكنهم مع طلوع الشمس تمكنوا من معرفة الاتجاهات، وعلموا أنهم بين الخبر والبحرين. ويقول الزاهر: «أكد ذلك وصول رسالة ترحيب من شركة «بتلكو» للاتصالات في البحرين. كانت الساعة حينها العاشرة صباحاً. وحاولنا طلب المساعدة والتلويح للقوارب المارة، إلى أن شاهدنا قارب على متنه 3 بحارة آسيويين، فتوجهوا نحونا. وشعرنا حينها بالاطمئنان»، لافتاً إلى أنهم طلبوا منا أن ينقلونا معهم. «إلا أننا رفضنا ذلك حتى نتصل بأحد أقاربنا، ونخبره، ليقوم بإخبار حرس الحدود السعودي، لإخطار نظيره البحريني، ليكون دخولنا إلى البحرين نظامياً. وبالفعل اتصلت بأحد أقاربي، الذي بدوره توجه إلى حرس الحدود، وقاموا بإرسال برقية لنظرائهم البحرينين». وحاول البحارة الآسيويون، تشغيل القارب السعودي. ويذكر جمال، أن تلك المحاولات كانت «من دون جدوى. كما لم يتمكنوا من قطر القارب، لأن الموج عالي. واحتمال غرقه وارد جداً، فأنزلنا مرساة قاربنا، وتوجهنا إلى معهم البحرين. ووصلنا مرفأ البحرين. وحينها قام البحارة بإخبار كفيلهم، الذي استنكر عليهم نقلنا. إلا أنه اطمأن بعد أن أخبرناه بأن تم دخولنا بعلم الطرفين؛ السعودي والبحريني. وحينها قام الكفيل بالتواصل مع حرس الحدود البحريني، وطلبوا منه نقلنا إلى مركز سترة. وهناك استقبلونا أفضل استقبال. وقدموا لنا الطعام والماء. فيما قدم لنا الضابط المتواجد هناك وجبة العشاء الخاصة به. ثم قاموا بالتحقيق معنا، لمعرفة تفاصيل وصولنا إلى المياه الإقليمية البحرينية. ومن ثم أبلغونا أنهم سيقومون بنقلنا إلى مركز حرس الحدود في جسر الملك فهد، ومن هناك نقلنا إلى السعودية من طرق الزوارق، لأننا لم ندخل إلى البحرين من طريق البر. ووصلنا إلى مركز حرس الحدود في المزروعية، الذي خرجنا منه».