يحظى السرطان بأولوية في البحث العلمي والرعاية الصحية في قطر، إذ يسبب 10 في المئة من وفيّاتها. ويُتوّقع أن تتضاعف هذه النسبة في 2030، مع تقدّم معدلات الأعمار وزيادة السكان في البلاد. وفي إطار سعيها لمكافحة مرض السرطان، نشرت قطر أخيراً استراتيجيتها الوطنية لبحوث السرطان، التي تعتبر الأولى من نوعها في التركيز على مرض مُحدّد، بهدف تحقيق نتائج إيجابية ملموسة في الرعاية الصحية لمرضى السرطان. السرطان ليس قاتلاً بالضرورة في سياق مؤتمر علمي استضافته أخيراً، أطلقت «مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع» تقريراً حمل عنوان «استراتيجية قطر الوطنية لبحوث السرطان». وشدّد البروفسور اللورد آرا دارزي رئيس «اللجنة الوطنية لمكافحة السرطان» (وهو أيضاً رئيس «معهد الابتكار في الصحة العالمية» في جامعة «إمبريال كولدج» - لندن) في المؤتمر، على أن العقدين الماضيين شهدا تحوّل السرطان مرضاً مزمناً، ولم يعدّ قاتلاً بالضرورة. وأوضح أن هذا التحوّل يدلّ على أهمية البحث العلمي، إضافة إلى ضرورة نشر الوعي حول أسباب السرطان وطرق الوقاية منه، وأهمية الكشف المبكر، وطرق التعايش مع المرض وعلاجاته. وأكدت «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة السرطان» أن تطوير برنامج لبحوث السرطان «يجعل قطر مركزاً رائداً في مجال بحوث السرطان، خصوصاً مع إنشاء مؤسسة للتطوير الأكاديمي المتّصل بالجيل التالي من تقنيات التعامل مع السرطان». ودعت الاستراتيجية عينها سكان قطر الى تبني أنماط من التعديل السلوكي، بهدف تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان والوقاية منه. وتشمل هذه الأنماط الفحص المُبكّر ودراسات وبائية وبحوثاً عن الآليات المتّصلة بتحسين التشخيص المبكر، والتدخل العلاجي، وتطوير أنواع مبتكرة من العلاج والتجارب السريرية وغيرها. وقدّم الملخص التنفيذي للاستراتيجية توصيات رئيسة تركّزت على الكوادر والنُظُم وتحديد الأولويات والبنية التحتية وغيرها. وفي صدد الكوادر، شدّدت الاستراتيجية على ضرورة توافر باحثين متميّزين كي تحظى قطر بالريادة عالمياً في بحوث السرطان، ما يفرض تخصيص استثمارات كبيرة لجذبهم إلى قطر، إضافة إلى زيادة الاستثمار في تدريب الباحثين عبر برامج زمالة أكاديمية متخصّصة. وطلبت التوصية معالجة الحاجات التي لم تُلبّ حتى الآن، مثل إيجاد تخصّص أكاديمي في قطر في علم ال «هستوباثولوجي» Histopathology («علم الأنسجة المرضية») وال «باثولوجيا الجزيئية» Molecular Pathology («علم الجزيئات الوراثية للأمراض») التي يوصى بإعطائها الأولوية القصوى. ولاحظت أن علاج السرطان في قطر يحتاج إلى نشر ممارسة الطب المعتمد على الأدلة، وضمان خيارات متقدّمة علاجياً للسكان، ما يتطلّب زيادة الاستثمار في بحوث السرطان، وضمنها تحديد التمويل الاستراتيجي لدعم شراكة بحوث السرطان في قطر، ودعم المشروعات البحثية الضخمة، وتوفير التمويل الأساسي لبحوث السرطان الأساسية والانتقالية في الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي وغيرها. شبكة عالمية للتجارب السريرية تناولت توصيات هذه الاستراتيجية مسألة البنية التحتية المتعلّقة بالتكنولوجيا والمعرفة الفنية، خصوصاً ما يؤثّر في تحسين علاج مرضى السرطان. ورأت ضرورة زيادة الاستثمار وتوفير المرافق البحثية الأساسية التي تدعم بحوث السرطان، مع وجوب إنشاء وحدة تجارب لدعم التجارب السريرية المبتكرة، وبناء شراكات متميزة مع شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيويّة. وكذلك لاحظت أن قلّة السكان في قطر تعطي فرصة للباحثين لإجراء دراسات سريرية تتصل بالأدوية، خصوصاً ما يتعلّق بسرطانات الثدي والرئة والبروستاتة وغيرها، وهي أنواع رُصِدَت باتّساع في قطر. ولفتت الى أن هذه البحوث من شأنها ابتكار طرق علاج جديدة لسكان قطر. في السياق عينه، أوصت هذه الاستراتيجية بربط وحدة التجارب السريرية بمعامل المؤشرات الحيوية التي تتولى تنسيق مشروع وطني عن بنوك بيولوجية متّصلة بأمراض السرطان، إضافة إلى التنسيق مع مبادرات البنوك الحيوية عالمياً، بهدف تأسيس شبكة تجارب سريرية متميزة في قطر. وتضمّنت التوصيات إنشاء سجل خاص بالمرافق والمعدّات البحثية الأساسية، وإنشاء مركز بحثي مركزي للعلاج بالأشعة والتصوير، كاستجابة للتحديات المتزايدة في ما يتعلق بتنسيق عمليات «التصوير الوظيفي» Functional Imaging (بمعنى الحصول على صور إشعاعية تُبيّن الأنسجة أثناء عملها فعلياً)، إضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات لبحوث السرطان في قطر، ما يساهم في توضيح حلقات سلسلة رعاية مرضى السرطان. ولأن قطر دولة صغيرة نسبياً، تنشط فيها مبادرات متنوّعة، دعت التوصيات إلى التنبّه لنُظُم إدارة البحوث ومعلوماتها، داعية إلى إنشاء برنامج للشراكة القطرية لبحوث السرطانQuatar Corporate Research Program، يتولى الإشراف على أولويات البحث في بحوث السرطان الأساسية في قطر، إضافة إلى الإشراف على المرافق والتدريب والإدارة. ومن المقرر أن تكون هذه الشراكة مؤسسة افتراضية بقيادة محددة واضحة وهيكل إداري، إلى جانب مجلس استشاري خارجي دولي يتعاون مع مجلس إدارة الشراكة في شأن تطبيق استراتيجية بحوث السرطان، مع صوغ تقارير تُرفَع إلى «المجلس الأعلى للصحة» و «مؤسسة قطر». ودعت التوصيات إلى أن تتولى مؤسسة الشراكة مسؤولية عقد مؤتمر سنوي عالمي لبحوث السرطان، بهدف توفير منتدى ينشر تلك البحوث على نطاق واسع علمياً. ودعت التوصيات إلى وضع خطة تفصيلية مدّتها أربع سنوات، يتولاها «المجلس الأعلى للصحة» و «مؤسسة قطر». وحضّت على تقويم التقدّم الذي يُحرز عام 2013، وتحديث «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة السرطان» عام 2016.