تدخل فلسطين اليوم منعطفاً نوعياً وتاريخياً فور تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يصنف فلسطين دولة، بغض النظر إن كانت دولة غير عضو أو كاملة العضوية في الأممالمتحدة، وذلك لأن مرتبة الدولة تعطي فلسطين الحق القانوني للمصادقة على أي معاهدة دولية، بما في ذلك اتفاقية روما المعنية بالمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقيات جنيف الرابعة ومعاهدات حقوق الإنسان ومعاهدة قانون البحار وغيرها. وأكد المسؤولون الفلسطينيون أن الدول الأعضاء في الأممالمتحدة بأكثريتها «تقف معنا»، وأنه حتى إن تطلب التصويت على مشروع القرار أكثرية ثلثي الأصوات وليس فقط الأكثرية البسيطة ف «إننا على ثقة كاملة بأن لدينا دعم أكثر من 130 دولة». ووصل الرئيس محمود عباس الى نيويورك ليل الثلثاء - الأربعاء، وكان متوقعاً أن يجتمع ليل الأربعاء - الخميس مع كل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو. واستقبل عباس في مقر إقامته امس مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز والمبعوث الأميركي الخاص الى عملية السلام ديفيد هيل يرافقهما رئيس الدائرة القانونية في الخارجية الأميركية جونثان شورتزر. وقال رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات إن «الموقف الأميركي لا يزال رافضاً طرح مشروع القرار للتصويت في الجمعية العامة، لكن الرئيس عباس أكد للوفد الأميركي ألا تراجع عن طرح المشروع على التصويت دفاعاً عن حل الدولتين». واضاف أن «الوفد الأميركي اعتبر أن التصويت في الجمعية العامة اليوم سيكون ضد المصالح الأميركية، وسيعطل إمكان قيام الرئيس باراك أوباما بصناعة السلام عام 2013 على أساس حل الدولتين، وأن ما سيأتي بالدولة الفلسطينية هو المفاوضات» المباشرة مع إسرائيل. وقال عريقات إن عباس «أكد التمسك بالحصول على الدولة ليس بهدف التصادم مع الولاياتالمتحدة ولا مع غيرها، بل للمحافظة على مبدأ حل الدولتين وعلى دولة فلسطين بحدود العام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية». من جانبها، سلّمت إسرائيل بما وصفته وسائل إعلامها ب»الهزيمة الديبلوماسية في الأممالمتحدة» التي تنتظرها اليوم أثناء التصويت، وعمد كبار المسؤولين إلى التقليل من أهمية الحدث واعتباره «رمزياً» فقط. ولفتت صحيفة «هآرتس» إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان باتا يتحدثان بنبرة أهدأ بعيداً عن التهديد بتقويض السلطة أو بناء آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات، وذلك خوفاً من تفاقم العزلة الدولية لإسرائيل، ومن توتر جديد في العلاقات مع الولاياتالمتحدة، واحتمال مواجهات عنيفة مع الفلسطينيين، وبعد ان ادركت «الهيئة الوزارية التساعية» خلال اجتماعها مساء الاثنين الماضي أن أي إجراء متطرف تتخذه ضد السلطة ويمس بها سيمس بإسرائيل أيضاً. وأضافت أنه تم الاتفاق على أن يكون الرد الإسرائيلي متناسباً مع السلوك الفلسطيني غداة الاحتفالات بقرار الأممالمتحدة، وأن الرد سيكون متشدداً فقط في حال أراد الفلسطينيون استغلال الاعتراف للتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بشكاوى ضد إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، مثل الاستيطان. واستمرت بريطانيا على مستوى نائب رئيس الوزراء نيك كليغ ووزير الخارجية وليام هيغ في محاولة إقناع القيادة الفلسطينية التعهد عدم ممارسة حق التوجه الى المحكمة الجنائية الدولية لتقديم شكوى ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب، والعودة فورا ومن دون شرط الى طاولة المفاوضات، في مقابل دعم بريطانيا مشروع القرار في الجمعية العامة. كما طلبت بريطانيا من السلطة التعهد أن يكون أي إجراء في المحكمة الجنائية الدولية من الآن فصاعداً ، أي من العام 2012، وليس عودة الى عام 2002. وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي في اتصال هاتفي اجرته معها «الحياة»: «موقفنا واضح ولن نتنازل عنه، وسنمارس حقنا في الوقت المناسب وحسبما تمليه مصالحنا. ولماذا الخوف إن كانت إسرائيل بريئة من جرائم الحرب». وفي ما يتعلق بشرط استئناف المفاوضات، اوضحت: «قلنا إن السعي وراء مرتبة الدولة لا يتناقض مع استعدادنا لاستئناف المفاوضات». أما في ما يتعلق بطلب بريطانيا عدم السعي وراء مرتبة دولة كاملة العضوية في الأممالمتحدة عبر مجلس الأمن، فقالت مصادر قانونية مطلعة إن «لا فارق بين دولة غير عضو أو دولة كاملة العضوية في الأممالمتحدة عندما يتعلق الأمر بالتصديق على المعاهدات، فهذا حق لمن له صفة دولة». ولفتت الى أن الإدارة الأميركية بدت «فاترة» في تعاطيها مع السعي الفلسطيني وراء الدولة «ولم تبد متأهبة لإسقاط المسعى أو حشد الدول ضده أو إقناعها بالامتناع عن التصويت». وحسب عشراوي: «يقول لنا الأميركيون إن لديهم رؤية وربما مبادرة، وإنهم في حاجة لإفساح المجال لطرحها، وإنهم يتخوفون من إجراءات في الكونغرس بقطع المساعدات عن السلطة». وتابعت إن الكونغرس يتحرك عندما تتحرك إسرائيل، ويبدو أن إسرائيل ترى أنه ليس من صالحها اتخاذ خطوات عدائية، وأن الأفضل لها التعايش مع الواقع الجديد - دولة فلسطين، فما تقوله إسرائيل للكونغرس يفعله الكونغرس لأن مصلحة إسرائيل تهمه أكثر من مصلحة أميركا». وفي مقابل هذه الضغوط، اعلن نائب الامين العام للجامعة العربية السفير احمد بن حلي عقد اجتماع لوزراء خارجية لجنة متابعة مبادرة السلام العربية في الدوحة في 9 الشهر المقبل برئاسة رئيس الورزاء، وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم، مشيرا الى ان الاجتماع سيناقش كيفية دعم السلطة اقتصاديا وماليا في حال تعرضها لعقوبات اقتصادية بعد خطوة الاممالمتحدة، وذلك تنفيذا لقرار مجلس الجامعة الاخير في القاهرة في 19 الجاري بتوفير شبكة امان ب 100 مليون دولار شهريا للسلطة. وتجاوز عدد الدول الراعية لمشروع القرار أمس 60 دولة. اما الدول الاوروبية التي اعلنت انها ستصوت لصالح المشروع الفلسطيني فهي روسيا وفرنسا واسبانيا والنروج والنمسا والدنمارك وسويسرا، في حين أعلنت ألمانيا انها ستمتنع عن التصويت لصالح المشروع. وينص مشروع القرار على منح فلسطين صفة «دولة مراقب غير عضو»، ويعرب عن أمله في ان «ينظر مجلس الامن ايجابا» في قبول طلب دولة كاملة العضوية في الاامم المتحدة الذي قدمه الرئيس عباس في ايلول (سبتمبر) عام 2011. كما يدعو الى استئناف المفاوضات للوصول الى «تسوية سلمية» مع اقامة دولة فلسطينية «تعيش بجانب اسرائيل في سلام وامن على اساس حدود ما قبل عام 1967».