دخلت الأزمة المصرية أمس منحى جديداً بعدما كشفت السلطة الحاكمة عن نيتها تمرير مسودة الدستور الجديد خلال يومين على رغم انسحاب غالبية القوى السياسية والمجتمعية من الجمعية التأسيسية التي باتت تضم فقط قوى التيار الإسلامي، فيما انضمت محكمة النقض، وهي الأعلى في البلاد، ومحكمة الاستئناف إلى الهيئات القضائية المضربة عن العمل احتجاجاً على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي الخميس الماضي وعلق بموجبه رقابة القضاء على قراراته كما منح نفسه سلطات مطلقة. وأعلن رئيس الجمعية التأسيسية حسام الغرياني الانتهاء من مسودة الدستور، ودعا في كلمته أمام أجتماع للجمعية أمس المنسحبين إلى «العودة في جلسة الخميس (اليوم)، فستكون جلسة تاريخية، وسيكون يوماً عظيماً». وأضاف موجهاً حديثه إلى المنسحبين إن «هذا هو الميدان الحقيقي الذي يجب أن نعمل فيه... ولهم أقول إنك إذا كنت مستاء من الإعلان الدستوري فلن يحد من اثره إلا إن يصدر الدستور فوراً. إذا كنتم تريدون الاحتجاج على الإعلان الدستوري فتعالوا إلى هنا واصدروا الدستور وأوقفوا العمل بالإعلان الدستوري الأخير وما قبله من إعلانات». وبدا أمس أن الإسلاميين يسعون إلى استباق قرار المحكمة الدستورية العليا المقرر الأحد في شأن قانونية تشكيل الجمعية التأسيسية ومصير مجلس الشوري، لا سيما أن نائب رئيس المحكمة الدستورية ماهر سامي أكد في مؤتمر صحافي أمس أن المحكمة ستنظر في الدعاوى المقدمة أمامها الأحد المقبل، على رغم أن إعلان مرسي علق رقابة القضاء على الجمعية والشورى اللذين يهيمن عليهما الإسلاميون. وأكد الناطق باسم «الإخوان» محمود غزلان أمس أن «الدستور سينتهي خلال يومين على الأكثر قبل عرضه على الرئيس». وسألته «الحياة» عما إن كان الرهان على الانتهاء من الدستور وطرحه على الاستفتاء كمخرج من أزمة الإعلان الدستوري، فرد بالإيجاب، فيما نقلت وكالة «رويترز» عن ثلاثة أعضاء في الجمعية التأسيسية أن التصويت النهائي سيتم اليوم. وتأتي خطوة تمرير الدستور متجاهلة الانسحابات من الجمعية التأسيسية ومتجاهلة رفض القضاة لقرارات مرسي، خصوصاً بعدما لبت محكمة النقض ومحكمة الاستئناف توصيات «نادي قضاة مصر» بتعليق العمل في المحاكم احتجاجاً على إعلان مرسي. كما جاءت رفضاً ضمنياً للعديد من المبادرات التي أطلقتها شخصيات سياسية بينها مستشار الرئيس سيف عبدالفتاح وعدد من الأحزاب، وكان مضمونها إلغاء الإعلان الدستوري أو على الأقل إجراء تعديلات جوهرية على مضمونه. وانتقد عضو «جبهة إنقاذ مصر» عمرو موسى في شدة الإسراع بتمرير الدستور بديلاً عن الإعلان الدستوري، معتبراً أن لجوء الإسلاميين إلى تلك الخطوة «هراء ما كان يجب اللجوء إليه بعد رفض غالبية القوى السياسية هيمنة الإسلاميين على التأسيسية، ورفضنا المضامين التي خرجت عنها». وبدا أن شيخ الأزهر أحمد الطيب أوكلت إليه مساع أخيرة للوصول إلى توافقات على مشروع الدستور، فعقد أمس اجتماعاً لليوم الثاني على التوالي مع ممثلين عن القوى المنسحبة من الجمعية حضره ممثل عن الكنيسة، إضافة إلى أعضاء في حزبي «الحرية والعدالة» التابع ل «الإخوان» و «النور» السلفي. وأفيد بأن ما سيتمخض عنه الاجتماع من توافقات سيتم تقديمه إلى الرئيس. وكانت الجمعيتان العموميتان لمحاكم الاستئناف والنقض قررتا أمس تعليق العمل في جميع دوائرهما بدءاً من اليوم «إلى حين سحب الإعلان الدستوري». واعتبرت الجمعية العمومية لمحكمة استئناف القاهرة أن قرارات مرسي الأخيرة «تنطوي على عدوان غير مسبوق على استقلال القضاء وحصانته اللتين هما ضمانتان لشرعية الحكم والحاكم والمحكوم سواء بسواء». ورفضت الاعتراف بالإعلان الدستوري عندما دعت الرئيس إلى «إلغاء ما أسماه بالإعلان الدستوري حقناً لدماء المصريين ووأداً للفتنة في مهدها». وعقد رئيس المحكمة الدستورية العليا ماهر البحيري مؤتمراً صحافياً حرص خلاله على عدم التطرق إلى الإعلان الدستوري، وإنما خصصه للرد على الهجوم الذي تعرضت له المحكمة من الرئيس وجماعته. وقال: «نتعرض إلى هجمة شرسة ظالمة ومنظمة قادها فصيل عريض من تيار سياسي بعينه خسر أصحابه مقاعدهم في المجلس النيابي وحرموا معها من نفوذهم ومنافعهم، ولم يكن للمحكمة ذنب في ما فعلت، ولكنه كان ذنب نصوص القانون التي اعتورتها المطاعن الدستورية التي أطاحتهم». واعتبر أنه بذلك الحكم انعقدت بينهم وبين قضاة المحكمة «خصومة شخصية، وباتت لديهم ثارات دموية، وتولدت عندهم رغبة الانتقام، مما أفقدهم الصواب والضمير والخلق، فانطلقوا في سعي محموم إلى الفضائيات والصحف ينشرون الغبار القاتم الكثيف الأسود حول المحكمة الدستورية وقضاتها ويكيلون الاتهامات وينثرون الإشاعات بقصد الاغتيال المادي والمعنوي لهذه المحكمة، متوسلين في ذلك بتشويه سيرتها وصورتها والتعريض بها والتحريض عليها وإهالة التراب على قضاتها، وتلطيخ سمعتهم وشرفهم». وهاجم الرئيس، قائلاً إن «الحزن الحقيقي الذي ألمّ بقضاة المحكمة حين انضم رئيس الجمهورية في مباغتة قاسية ومؤلمة إلى حملة الهجوم المتواصلة على المحكمة الدستورية، وهو من اكتسب شرعية ولايته رئيساً عندما قام بأداء اليمين الدستورية أمامها»، كما انتقد المواد المتعلقة بالمحكمة في مسودة الدستور «ما يقطع بأن النية كانت مبيتة منذ البداية على العدوان على استقلال المحكمة والانتقاص من اختصاصها». ودعا شيخ الأزهر رئيس الجمهورية إلى «التأكيد على سيادة القانون والعمل على سرعة العودة إلى مائدة الحوار مع كل القوى الوطنية لعلاج الفرقة والخلاف وتهيئة المناخ المناسب لسرعة إنجازِ دستور توافقي يعبر عن كل أطياف الشعب، وينهي مرحلة الإجراءات الاستثنائية والإعلانات الدستورية الموقتة». وطالب «أبناء الوطن جميعاً، مسلمين ومسيحيين، مؤيدين ومعارضين، على اليسار السياسي أو في اليمين، بأن يضعوا المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار». وحذر من «الفرقة والشتات التي تضعف القوى وتفتت الجهود». وحذر «التيار الشعبي» الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي من «مغبة استمرار تجاهل المطالبة بالإسقاط الفوري للإعلان الدستوري ومحاولات التحايل على ذلك بطرح أفكار من نوع الاستفتاء على الإعلان الدستوري أو المزيد من تصعيد حدة الخلاف بما يُثار عن سرعة الانتهاء من عملية سلق الدستور وطرحه للاستفتاء». ووجه رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي تحية إلى القضاة «لدفاعهم عن حقوق الشعب المصري وحرياته وتمسكهم بمبدأ استقلال القضاء». في غضون ذلك، أمرت محكمة أمن الدولة اليوم بإعدام سبعة من أقباط المهجر في قضية الفيلم المسيء للإسلام وحددت 29 كانون الثاني (يناير) المقبل للتصديق على الحكم. والمتهمون هم موريس صادق ومرقص عزيز خليل وفكري زقلمة ونبيل بسادة وإيليا باسيلي وناهد محمود متولي ونادر فريد نيقولا. ودين المتهمون بارتكاب جرائم «المساس بوحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه وازدراء الدين الإسلامي وإذاعة أخبار وإشاعات كاذبة والتعدي بطريقة العلانية على الدين الإسلامي».