هل تتذكرون قصة حادثة مقتل الطفلة «تالا» ذات الأعوام الخمسة، والطريقة البشعة التي نفذتها عاملتها المنزلية، لا أريد تقليب المواجع بعد أشهر عدة للحادثة، فهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد شهدنا بعدها حوادث أخرى عدة مؤلمة، منها ما قام به عامل بقتل كفيله بحز رقبته، فمادام يوجد كفيل، ولدينا عمالة فائضة على حاجة سوق العمل، فسنشهد الكثير من الجرائم... نحن شعب نعبر عن غضبنا لحظة وقوع الحادثة وبعد أيام ننسى كل شيء ونعود للفوضى. وزارة العمل شرعت فوراً في البحث عن دول أخرى بديلة عن إندونيسيا لاستقدام عاملات منزليات، بدلاً من أن تعلق العمل على استقدام العاملات حتى توجد وسائل آمنة، سواء للأسرة أو حتى للعاملة المنزلية. مع إعلان قدوم عاملات جدد من الفيليبين كأننا نعلن عن قدوم جزارين جدد، وشقيقات ل«ريا وسكينة»، والحقيقة أنني كنت أتوقع أن يتم تعليق استقدام العاملات من الخارج إلى أن تعالج، ونصل إلى حل لهذه المشكلة التي تزداد سنوياً بشكل لافت. حوادث عاملات المنازل لا تقتصر عليهم فقط، بل هناك أسر تمارس شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي واللفظي، فضلاً عن أنها قد تتحول إلى غريزة جنسية لإشباع رغبات الأب والابن والسائق، وتتحول إلى كومة لحم، وكل واحد يريد أن ينهش هذا الجسد، وفي مراكز الشرطة الكثير من القضايا الأخلاقية. أرجوكم تخيلوا معي، فتاة عمرها 25 عاماً تعيش في قرية نائية في أحد البلدان الفقيرة، تقتات من المزارع وما تصنعه بأيديها، أو تعمل في قريتها في أحد المنازل، إنما تعود إلى منزل أسرتها بالليل لتنام في حضن والديها أو زوجها قريرة العين من دون خوف، وفجأة يغريها أحد سماسرة العمل بوجود وظيفة مرتبها يتجاوز أضعاف أضعاف ما تتحصله هنا، تترك أسرتها وقريتها ويودع أهلها ابنتهم وهم في خوف وترقب أن تترك بيئتها وعاداتها وتقاليدها، وفجأة تجد نفسها تركب طائرة وتجد نفسها وسط ناس غرباء، داخل أسرة جديدة، والكل يريد أن يعطي أوامره، والكل يريد أن تنفذ طلباته! حركات التحرش تبدأ من أول ليلة، وفي اليوم التالي يجب أن تعرف تطبخ الملوخية، والمندي، وتعرف تستخدم المكنسة الكهربائية وتنظيف النجف، وفي اليوم الثالث عليها أن تتعلم كيف تغير وتصلح «راس المعسل»، وتغير الحفاضات للأطفال، واستخدام الغسالة ومعايير مساحيق الغسيل، وفي اليوم الرابع لا بد لها أن تتعلم كيف تعمل «المرزام» في الشماغ حينما تكويه وتكوي الثياب وبنطلونات الجينز، وفي اليوم الخامس تتعلم تذهب إلى البقالة والسوبر ماركت وتعرف كيف تتسوق، وفي اليوم السادس ترد على المكالمات وتتحدث مع الناس وتحكي القصص لأطفالنا حينما ينامون، وتغني لهم أغنيات الطيور المهاجرة. في حالات الخلوة، فهي قد تكون عشيقة لرب الأسرة أو للابن الكبير، وهي الضرة في نظر سيدة المنزل في حال غضب منها زوجها، وفي كثير من المنازل تعرف الخادمة «تعمل» المكياج وتقص الشعر وتخيط الملابس وتحلب الغنم وتغزل الصوف، وربما عليها أن تعرف رقصاتنا الشعبية من «النجدية» إلى «الخبيتي» والمزمار حتى تسلينا وقت ما نكون محبطين. هكذا! خلال أسبوع أو أسبوعين نريد من امرأة قدمت من قرية نائية ومجتمع مختلف تماماً أن تتحول إلى أخطبوط عاملات منزليات، إضافة إلى كل ذلك من دون تحديد ساعات عمل وإجازة أسبوعية، ومن دون تأمين طبي وخدمات اجتماعية وإنسانية، نريد منها أن تخدمنا ولا نريد منها أن تتواصل مع بنات جنسها الموجودين في السعودية، وكل منزل في السعودية بيئة مختلفة تماماً عن الآخر، فهي حينما تهرب من منزل خلال 90 يوماً من قدومها، تكتشف أنها في منزل جديد طبائعه مختلفة وتصرفاته مختلفة، لهذا حينما تهرب العاملة المنزلية فهي لا تهرب من العمل، بل لاختلاف الطبائع وعدم قدرتها على التكيف. من غير المعقول أن تعيش امرأة بعيداً من أسرتها ومجتمعها أكثر من خمس سنوات أو عشر سنوات، حتى وإن كانت تحصل على إجازة سنوية لمدة شهر، ما يفعله البعض بالعاملات المنزليات هو تشويه لصورتنا وقيمنا الاجتماعية والدينية وأيضاً تهديد لأرواحنا وأسرنا، وإبقاء الحال هكذا من دون إعادة نظر يعني أننا ندفع بالمجتمع نحو المزيد من المخاطر. من الضروري أن تحدد مدة إقامة العاملة المنزلية في السعودية بعام واحد فقط ويتم ترحيلها، أو تنتهي إقامتها، وأعتقد أن هذه الخطوة ستقلص من هروبهن بعد ثلاثة أشهر، وإعادة ضبط شروط الاستقدام وتحديد الأسر التي يحق لها الاستقدام، بحيث تُلغى تأشيرات العاملات من الأسر وتُعطى إلى شركات مع وضع ضوابط الاستقدام حتى لا تتحول إلى استيراد عاملات منزليات تفوق حاجة السوق. من الحلول العاجلة المطلوبة وقف تأشيرات العاملات وسائقي المنازل وحراس المنازل، وكل التأشيرات الفردية، فلدينا الآن نحو مليونين من العمالة المنزلية، معظمهم لا يعملون تحت كفالة أحد، ومعظمهم هاربون. وقف التأشيرات سيجعلنا نعيد حساباتنا، وأيضاً نصلح الخل الاجتماعي ومعايير الاستقدام، ولا بد من موقف جريء وشجاع من الجهات المختصة، فأرواح بناتنا وأسرنا ليست رخصية أمام رجال ونساء يواجهون ضغوطاً نفسية واجتماعية في الغربة. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon