على رغم شهرة قصة تأسيس شركة «آبل»، لا بأس من استعادة بعض ملامحها. ففي خريف عام 1979، زار ستيف جوبز، البالغ من العمر آنذاك 24 عاماً، مختبر شركة «زيروكس» العالميّة في كاليفورنيا. وفتن جوبز بالابتكارات المعروضة، ومن ضمنها أجهزة إلكترونيّة تعمل بواسطة واجهة مستخدم مملوءة بالأيقونات والرسوم، ما يسهّل التعامل معها إلى حدّ بعيد. وكذلك ضمّ المختبر فأرة إلكترونيّة كان مبتكرها هو كارل دوغلاس آنغلبرت. وعرضت «زيروكس» أجهزة تستخدم ال «ماوس» ضمن واجهة المستخدم الرسومية. ولاحقاً، احتل جوبز رأس هرم مؤسسة «آبل» (وهو أمر أدى إلى دخولها البورصة في العام التالي)، وأوضح أنه يريد الفأرة نفسها والنوافذ والقوائم التي رآها في مختبر «زيروكس»، مع وضعها في واجهة رسومية رقمية، في قلب حواسيب «آبل». وعلى ذلك النحو، ولِدَ كومبيوتر «ماكنتوش». وفي البداية، سُمي ذلك الحاسوب «ليزا»، على اسم ابنة جوبز. وأطلِق «ليزا» في مطلع العام 1983. وشكّل أول حاسوب شخصي مجهّز ب «ماوس» وواجهة رسوم أيقونيّة. في المقابل، لم تزد ذاكرة الوصول العشوائي («رام» RAM) في حاسوب «ليزا» على بضعة كيلوبايت، كما احتوى معالج بيانات رئيسياً («سي بي يو» CPU) سرعته 5 ميغاهيرتز، فيما لامس سعره الألف دولار. أدت تلك المعطيات، خصوصاً السعر المرتفع، إلى إخفاق ذلك الحاسوب، على رغم أن نظام التشغيل فيه تميّز بقدرته على إداء مهمات متعدّدة، وهو أمر كان فريداً في تلك الفترة. بعد سنة على ذلك الإخفاق، ألغت «آبل» وظيفة «المهمات المتعددة» في نظام التشغيل، ما أدى إلى انخفاض سعر الكومبيوتر بنسبة 75 في المئة. وسمي ذلك الكومبيوتر «ماكنتوش» نسبة إلى مجموعة متنوعة من التفاح التي دأب جيف راسكين، وهو أحد مؤسّسي شركة «آبل»، على قضمها باستمرار. على تلك الشاكلة، كتب «وادي السيليكون» فصلاً مهماً في تاريخ الحواسيب الشخصيّة، إذ زوّد «ماكنتوش» الأول بذاكرة وصول عشوائي مقدارها 128 كيلوبايت، كما بات أول كومبيوتر شخصي مجهّز ب «ماوس» وواجهة رسومية أيقونيّة. ونجح بقوّة. وبيع منه قرابة سبعين ألف جهاز في غضون ثلاثة شهور. ولاقى الجهاز نجاحاً متميّزاً في الجامعات الأميركية، بل أثّر فيها بقوّة. وكانت تأثيراته موضع تناول إعلامي واسع، تضمّن شهادات حيّة من قلب الجامعات، عبّرت عن عمق تلك التأثيرات.