في الأيام الماضية انتشر جدل ثقافي حول «الصالون النسائي» في النادي الأدبي في جدة، وأقول «ثقافي» لتأطيره ببروز «الاختلاف الثقافي»، فلا يسعى أحد إلى تحريفه بأنه «صراع بين النساء» لا غير. وذلك الجدل ليس وليداً لتفعيل الصالون النسائي جلساته، فكان موجوداً في الكواليس منذ إن طُرحت فكرته، وكانت تناقش فكرته من المعارضات له بهمس، وارتفع صوت الهمس بمجرد أن بدأت جلسات الصالون النسائي، واحتدّ صوت الهمس بعد نشر رأي الدكتورة لمياء باعشن في الصالون النسائي في «الحياة»، واتهام تفعيله بالتخلف الثقافي والرد الحاد من الكاتبة نبيلة محجوب على باعشن في «الحياة» نفسها. وفي ظل تبعات أي جدل ثقافي يبرز مفتاح أي اختلاف ثقافي أو خلاف ثقافي وهو هل «أنت مع أو ضد الصالون النسائي في أدبي جدة»؟ لا أريد أن أخوض في رأي كل من الدكتورة لمياء باعشن ونبيلة محجوب، لكني أقول بإيجاز إن رأي كل منهما لا يمثل إلا ذاتها، على الأقل بالنسبة إلي، كوني من مثقفات المنطقة ومُشارِكة ثقافياً في النادي، وإن كنت لا أتفق مع الدكتورة لمياء في «تعجل الحكم» على تجربة الصالون النسائي واتهامها بأنه «تخلف ثقافي». فلكل زمن «مثقفوه ومثقفاته»، ونحن في زمن ثقافي جديد في ظل نتائج الانتخابات الأدبية. وأعترض على الهجوم الذي شنته نبيلة محجوب على الدكتورة لمياء، والذي انحرف عن دائرة الموضوعية، وبخاصة إن الدكتور لمياء باعشن لم تتعرض لها في رأيها. وحماسة نبيلة محجوب لفكرتها التي بُني عليه مشروع الصالون النسائي، ودفاعها المشرّوع عن قيمته وأهدافه، وما سيُحقق من «خطوبة سعيدة» بين طبقة المجتمع المحافظ والنادي، لا يشفع لها «رد الفعل الحاد»، الذي قد يراه البعض رد فعل طبيعي، لتسخيف الدكتور لمياء لمشروع الصالون الأدبي ونعته بالتخلف والتخويف منه على مكتسبات النادي. ومشروع الصالون النسائي في أدبي جدة لا يعني عودة «للحرملك الثقافي»، بل لعله يتوافق مع الكثير من المعطيات التي تسعى إلى تنشيط دور المرأة الثقافي في المجتمع، مع مراعاة المكتسبات الحاصلة على مستوى الهدف والفئة والمحيط، وهي. إن الأكثرية من المثقفات سواء في جدة أم مناطق المملكة تنتمي إلى «الطبقة المحافظة»، والأقلية تنتمي إلى «الطبقة اللامحافظة»، وأعتقد أن فرض «المناشط الثقافية المفتوحة»، التي تُناسب الأقلية من المثقفات لا الأكثرية، هو ظلم للمثقفة المحافظة وخلاف لقانون الأكثرية، الذي يلزم على الجهة الخدماتية التوجه إلى الأكثرية. إن الوعي هو عملية تغير وتغيير من الداخل إلى الخارج، وليس من الخارج إلى الداخل، وبالتالي فأنا أهتم بأمرين من أجل تفعيل عملية الوعي «الجذب والفكرة»، ولا يتحقق الجذب إلا من خلال «اطمئنان الفئة» لنوع المكان ونوع الفكرة، وبما أن الأكثرية من المثقفات من الطبقة المحافظة، فالاطمئنان لتحقيق الجذب له دور مهم في الاقتراب من عملية الوعي، وبالتالي فوجود صالون نسائي في الأندية الأدبية «ضامن» لشيوع الاطمئنان، كما هو «ضامن» لجذب فئة جديدة للنادي» من النساء المتعلمات والموظفات. لا يخفى علينا جميعنا أن العلاقة بين المجتمع بغالبيته المحافظة والمناشط الثقافية في الأندية الأدبي علاقة شك وارتياب وعدم ثقة، ووجود صالون نسائي في الأندية قد يكسر حِدة سوء الظن والثقة بين المجتمع والنادي، ويبني جسر ثقة بين الطرفين لِم ما سيوفره من خصوصية. تعدد حرية الاختيار بما أن النادي جهة خدماتية، وهو المصدر الوحيد للتفعيل الثقافي، فعليه أن يشمل كل الخيارات التي تناسب طبيعة المثقفة الاجتماعية، سواء المناشط الثقافية المفتوحة أم المناشط الثقافية المغلقة، والمثقفة لها حرية الاختيار ما بين المنشط الثقافي المفتوح أو المغلق، المهم أن تأتي إلى النادي وتشارك ويُسمع صوتها ويُطرح رأيها. نيابة عن نفسي أبارك الصالون النسائي في جدة، وأرجو أن يحقق أهدافه، فالقيمة تظل «كيف تفكر» لا «أين تفكر»، فحسب التجربة لم تقدم المناشط المفتوحة للمرأة حتى الآن المُنجز الذي يستحق الذكر، حتى نخشى اليوم من عودة «الحرملك الثقافي»، ولا أبالغ إن قلت أن المناشط المفتوحة كانت تمارس «الحرملك الثقافي» بطريقة غير مباشرة. * ناقدة سعودية.