في مسلسل «درب الزلق» الكويتي، يخضع الأخ الأصغر سعد دائماً لسطوة أخيه الأكبر، فحسين طاووس، يَظهر مملوءاً بالعزة والفخر والمقاومة، لديه رغبة شديدة في النجاح، لهذا يغامر كثيراً كي ينتقم من فقره ومهانته، ولا يرى أن هناك سبباً يمنعه، لكنه يستعين بالوهم وليس بالقوة ومصادرها، يضع نفسه دائماً موضعاً عالياً لكن من دون مقومات. فتح حسين مصنع كبريت فاحترق، وفتح دكاناً للأحذية المستوردة فوصلت كلها فردة يمين، وحين وقع تحت حافة الانهيار النفسي، وأخذه أخوه سعد في رحلة للاستجمام في مصر، قام بعقد صفقة لشراء الأهرامات والترام هدية فوق البيعة. حسين لا يستسلم أبداً ولا يتعلم من أخطائه، وهو ماضٍ في أحلامه، أو بالأحرى أوهامه، والوحيد الذي يصدقه هو أخوه سعد، الذي يصرخ به كلما أسرف في الحديث عن الثروة الهائلة التي ستسقط غداً على رأسيهما «بسك يا حسين، بسك يا حسين فلوس»، سعد يصاب بالتخمة من وهم سعادة، وحسين لا يكف عن الاستزادة من خيبة المغامرات، ولولا إيمان سعد بوهم حسين لما استمرا كل ليلة يعدان أرباح الغد التي لا تأتي. كثير من العرب يشبهون هذا الأخ الأصغر الساذج سعد الذي يصدق أوهام «حماس» وانتصاراتها المستمرة بآلياتها الدعائية والصاروخية المدفوعة من قبل حزب الله وإيران، ففي حرب الثمانية أيام جعلوا إسرائيل تركع، وعلى رغم أن العرب يتوقون لهذا الحلم، إلا أن هذا لم يحدث إلا في أحاديث «حماس» الدعائية، مما جعل شعب غزة يخرج محتفلاً بالنصر العظيم، وكل منهم يحمل علم فصيله. إسرائيل جزاها الله خيراً تعيننا على شرب الوهم، فقد خرجت بعد غاراتها الوحشية تقول للعالم وعيناها دامعتان إنها هُزمت، وفقاً لنظرية أن القوي هو الذي يعترف بالهزيمة، لأنه يعرف جيداً هدفه الذي ضيعه، فقد كان هدفها أن تقضي على «حماس» تماماً وتجرِّدها من سلاحها وتمسح مراكزها بالأرض، لذا فإنها حين فشلت خرجت تعتذر لشعبها، لكن «حماس» التي وعدت شعبها والعالم كله بأن تحرر فلسطين أعلنت أنها انتصرت، والدليل اعتراف إسرائيل نفسها، فطالما هناك طرف خاسر فالآخر من دون شك هو المنتصر. لكن الحقيقة تقول إننا شعب أمي لا يقرأ الأرقام، ولا يعني له موت البشر قيمة أخلاقية بقدر ما تعنيه صناعة الشعارات من دماء الشهداء، والله وعد الشهداء بالجنة كي يعلي من قيمتهم لا كي يرخص دم البشر. الأرقام يا سادة يا كرام تقول إن القصف الذي استمر 8 أيام أسفر عن مقتل 162 وإصابة 1222 فلسطينياً، في مقابل مقتل 5 إسرائيليين وإصابة 204. موت هؤلاء الخمسة هو ما هدد نتانياهو فركض طالباً هدنة، بينما لم يَعنِ موت أكثر من مئة وخمسين فلسطينياً سوى فوز «حماس»، فليمُتْ كل الفلسطينيين وتعش «حماس». إسرائيل نفّذت 1500 غارة جوية، دمّرت بها 15 مركزاً قيادياً، من بينها مقر رئاسة الوزراء، و140 نفقاً للتهريب، ومئات المنصات الصاروخية، و26 موقعاً للتصنيع وتخزين الأسلحة، وقتلت 30 قيادياً من حركة حماس والجهاد الإسلامي بينهم 6 بارزون، وقتلت عائلات بالكامل، ودمرت منازل وأحياء، و «حماس» ردت ب1523 قذيفة صاروخية استهدفت طائرات وبوارج وآليات، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ بعيدة المدى وجّهت نحو تل أبيب والقدس سمَّتها حجارة من سجيل، لكن اسمها لم يمكِّنها من محو إسرائيل. حريٌّ بنا ونحن نعيش سكرة النصر أن نقول ل «حماس»: «بسك يا حماس، كفاية انتصارات». [email protected]