مؤثرة حتى البكاء، لكنها تبعث الأمل، صورة الطفل السوري الذي يحضن بين يديه الطرف الاصطناعي الذي أُعدّ من أجله كي يحل بدل المصابتين والمبتورتين نتيجة الحرب في بلاده. فقد تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي وخصوصاً «فايسبوك» صورة الطفل عيد وهو يعانق بسعادة طرفيه الاصطناعيين قبل تركيبهما، وكله أمل أن تعود حركته إلى ما كانت عليه. وعلى رغم أنه واحد من أصل آلاف الأطفال الذين تعرّضوا لإصابات وإعاقة دائمة بسبب الحرب الدائرة في سورية، فإن صورته كانت مثالاً صارخاً لمعاناة الأطفال السوريين الذين أصبح فرحهم يتجسّد في الحصول على طرف اصطناعي قد يعيد جزءاً من حركتهم التي فقدوها نتيجة قصف صاروخي أو مدفعي. وليس مهماً أن الطرف اصطناعي وقد لا يحل مكان العضو الأساسي، المهم هو أن يعود من ركّب له إلى الحركة مهما كانت بطيئة. وقصة عيد هي نموذج لقصص مشابهة مؤلمة عن أطفال قضوا أو تعرّضوا لإعاقات نتيجة جرائم القصف على المدنيين، فعائلة عيد كانت شاهدة على قصف الطيران بالبراميل المتفجرة، فسقط واحد منها على منزلهم في مدينة درعا. وكانت النتيجة وفاة والدته وشقيقته الصغيرة وبتر رجليه والرجل اليسرى لأخته يمنى، وجرح والدهم. وتكفل بالعائلة المنكوبة مركز «سوريات عبر الحدود»، ولا يزال المصابون الثلاثة يخضعون للعلاج النفسي والفيزيائي كي يتمكنوا لاحقاً من استعادة حياتهم التي لا يمكن وصفها بالطبيعية تماماً، بل شبه طبيعية. أطراف مكلفة وأوضحت سامرة زيتون مديرة مركز «سوريات عبر الحدود» أنه «منذ اليوم الأول لدخول عائلة عيد إلى الأردن، رعى المركز أفرادها وخضعوا للعلاج، كما رعى أطفالاً سوريين كثراً تعرّضوا لإعاقات». ولفتت أن مواقع إلكترونية تناولت الموضوع وأوردت أن الطفل عيد من غزة. وأكدت: «أن على رغم تشابه المأساتين فهو من درعا». وفي الوقت الذي يعتبر تركيب أطراف اصطناعية لذوي الإعاقة الحركية، خصوصاً الأطفال الجرحى، واحداً من أهم الحلول بالنسبة اليهم، فإن كلفة ذلك تراوح بين 500 و1200 دولار، ما يجعل الحصول على طرف اصطناعي أمراً صعب المنال، إذا لم يترافق مع دعم من إحدى المنظمات أو الجهات المانحة. وأشار الدكتور معمر حسون مسؤول ملف الجرحى في وزارة الصحة في الحكومة السورية الموقتة، إلى أن تعاون الوزارة مع مراكز للأطرف الاصطناعية، ومن بينها المركز الوطني السوري للأطراف الاصطناعية في الريحانية، ومركز جمعية «خطوة أمل» الذي أنشئ بالتعاون مع داعمين وأطباء سعوديين في مدينة كلس الحدودية، حيث يُحوّل إليهم الجرحى القادمون من سورية. وأكد أنه «لا توجد موازنة مخصصة لدى وزارة لمعالجة الإعاقات، فقد رصد لملف الجرحى 30 ألف دولار فقط، منها 5 آلاف دولار لمكتب الوزارة في عمّان». وأوضح: «يوجد 1,5 مليون جريح سوري حتى الآن. يراجعنا الجرحى ويطلقون الشتائم، إضافة إلى إتهامات الإهمال الموجهة إلينا على مواقع التواصل الإجتماعي. لأن الناس لا يعرفون أن الدعم المقدّم بسيط جداً ولا يكفي لهذا الملف الضخم». هكذا يعتمد الجرحى السوريون على المراكز التي أنشأتها منظمات أو جمعيات خيرية تهيىء المريض نفسياً وجسمانياً، وبعدها تجرى عملية تركيب الطرف البديل ثم يدرّب المريض للسير مجدداً عبر معالجة فيزيائية متخصصة، وإنتهاء بإعادة تأهيله إجتماعياً ومساعدته على العودة إلى عمله أو نشاطه السابق، والإنخراط كعضو فاعل في المجتمع. وأوضح مدير المركز الوطني السوري للأطراف الإصطناعية، الذي أنشئ في شباط (فبراير) 2013 وساهم في تقديم خدمات لمئات السوريين الذين فقدوا أطرافهم جراء القصف، «نقدّم أطرافاً متحركة تجميلية للمصابين والجرحى، بحيث يتمكّن المصاب من استعادة حركته الطبيعية وأعماله اليومية بنسبة 70 إلى 80 في المئة»، لكن ليس خفياً على أحد أن معظم المراكز الخيرية بدأت تنوء بهذا الحمل المتفاقم. لا أرقام ولا إهتمام حاولنا الحصول على إحصاءات عن عدد السوريين، خصوصاً الأطفال، ممن تعرّضوا لإصابات جراء الحرب الدائرة، تسببت لهم بإعاقات دائمة، لكننا لم نجد مبتغانا. وأشار مسؤولو المراكز الذين تواصلنا معهم إلى معالجتهم مئات من السوريين المعوقين، لكن على ما يبدو، لم تعتمد المنظمات بعد على هذه الإحصاءات. ويبقى السؤال الملح: لماذا لا تلقى إصابات الحرب في سورية، والإعاقات التي يصاب بها الأطفال والتي تؤدي إلى تدمير مستقبلهم، الإهتمام الإعلامي والدولي الذي يتناسب مع هذه القضية. في حين تركّز المنظمات إهتمامها على الأمراض السارية كشلل الأطفال والحصبة، فتسارع إلى علاجهما؟