تتوقع وكالة الطاقة الدولية تغييرات حاسمة في الصناعة العالمية للطاقة خلال العقدين المقبلين، منها ما هو في طريقه إلى التنفيذ حالياً، ويتمثل في إمكانية أن تحقق الولاياتالمتحدة «الاستقلال الطاقوي»، بل الانتقال من أكبر دولة مستوردة للنفط والغاز، إلى دولة مصدّرة، وأكبر دولة منتجة للنفط الخام. وثمة كذلك إمكانية أن يوفّر العالم نحو 20 في المئة من استهلاكه للطاقة من خلال ترشيد الاستهلاك واستخدام الطاقة بكفاءة. ويشكل التغير في ميزان الطاقة الأميركي من دولة مستوردة إلى دولة مصدّرة ومكتفية بمواردها الطاقوية، تحولاً إستراتيجياً ليس في الميزان العالمي للطاقة فقط، بل أيضاً في السياسة الدولية، خصوصاً بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط. أما في ما يتعلق بترشيد استهلاك الطاقة، فهو هدف طموح طالما حاولت الدول الصناعية ووكالة الطاقة الدولية تحقيقه، لكن حتى الآن كان النجاح محدوداً ولا يتناسب مع الأهداف المنشودة. وإن دلت هذه التوقعات على أمر ما، فهي مؤشر إلى أننا أمام متغيرات أساسية ذات انعكاسات مهمة جداً على الصناعة، وفق تقرير وكالة الطاقة الدولية الذي حمل عنوان «التطلعات المستقبلية للطاقة العالمية 2012» وصدر خلال الأسبوع، إذ يؤكد التقرير أن أميركا الشمالية تمر بمرحلة حاسمة ستغير من تجارة النفط الخام والغاز الطبيعي في مختلف أرجاء العالم. لكن الوكالة تضيف أيضاً أن ثمة إمكانيات واسعة لتغييرات كبرى أخرى في الصناعة من خلال ترشيد استهلاك الطاقة العالمية. ويورد التقرير في هذا الصدد، أن من الممكن للعالم بحلول عام 2035 توفير خُمس الطلب على الطاقة، مقارنة بما يستهلَك حالياً. ويستنتج التقرير على ضوء توقعه هذا، «أن استهلاك الطاقة بكفاءة عالية هو بالأهمية ذاتها للحصول على إمدادات جديدة للطاقة، وأن زيادة الاهتمام بترشيد استهلاك الطاقة يمكن أن يؤدي إلى توحيد سياسات الدول وكذلك إلى منافع متعددة للمستهلكين». طبعاً، تعكس وكالة الطاقة الدولية مصالح الدول الصناعية المستهلكة، وتهتم كثيراً بإصدار الدراسات والتقارير البحثية، ولعل أهمها هو هذا التقرير السنوي – «التطلعات المستقبلية للطاقة العالمية». وتؤخذ أطروحات هذا التقرير السنوي واستنتاجاته على محمل الجد اللازم من جانب الباحثين والمسؤولين في صناعة الطاقة العالمية. ومما شدد عليه التقرير، أهمية قارة أميركا الشمالية على الصعيد العالمي للطاقة، ويعكس هذا الأمر التنبه المتزايد إلى دور النفط والغاز الصخري ونفط الرمل القاري في أميركا الشمالية على التجارة العالمية للبترول. ويتوقع التقرير أن تصبح الولاياتالمتحدة دولة معتمدة على ذاتها قادرة على الاكتفاء الذاتي للطاقة وفي الوقت ذاته مصدّرة للغاز الطبيعي. وبحلول عام 2035، هناك احتمال أن تصبح قارة أميركا الشمالية منطقة مصدّرة للنفط الخام، ما سيزيد المتغيرات الحاصلة في التجارة العالمية للنفط ويسرّعها. كما يُتوقّع أن يتجه نحو 90 في المئة من نفط الشرق الأوسط إلى الأسواق الآسيوية بحلول عام 2035. لكن يُتوقّع كذلك أن يزداد الطلب على الطاقة عالمياً بنحو الثلث بحلول عام 2035، فيشكل استهلاك الصين والهند والشرق الأوسط بحلول عام 2035 نحو 60 في المئة من زيادة الطلب العالمي، بينما لا تُتوقّع أي زيادة تُذكر في طلب الدول الصناعية على النفط الخام، إلا أن استهلاك هذه الدول سيزداد للغاز الطبيعي وبدائل الطاقة. وترجّح الوكالة أن يرتفع الطلب على النفط نحو سبعة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020، ليزيد على 99 مليون برميل يومياً بحلول عام 2035، وأن القيمة الحقيقية لسعر برميل النفط ستتراوح حول 125 دولاراً للبرميل، مقارنة بالقيمة الاسمية التي ستتراوح حول 215 دولاراً للبرميل. وتشير الوكالة إلى زخم كبير في إنتاج النفط غير التقليدي والنفط من مياه البحار العميقة خلال هذا العقد، وأن النفط العراقي سيشكّل نحو 45 في المئة من الزيادة في إنتاج النفط الخام حتى عام 2035. وتشير معلومات الوكالة إلى أن الوقود الأحفوري (النفط والغاز) سيبقى مهيمناً على أسواق الطاقة، بفضل الدعم الذي تقدّمه الحكومات لاستخدامه. فقيمة هذا الدعم ازدادت 30 في المئة عام 2011 إلى نحو 523 بليون دولار سنوياً، بسبب زيادات الدعم في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وسيزداد الطلب على الغاز الطبيعي، بنحو 50 في المئة، ليصل مجموع الاستهلاك العالمي إلى نحو خمسة تريليونات متر مكعب بحلول عام 2035. وتقدّر الوكالة أن يشكّل الغاز الطبيعي غير التقليدي نحو 50 في المئة من زيادة إنتاج الغاز بحلول عام 2035، وأن يأتي معظمه من الولاياتالمتحدة وأستراليا والصين. طبيعي أن هذه افتراضات، لكنها مبنية على دراسات ومتابعة دقيقة للصناعة والأسواق، وتكمن أهميتها في أنها مؤشرات وتصورات تتعلق بما يمكن توقعه في ضوء ما هو متوافر من معلومات وتطورات. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية