حذّرت منظمات حقوقية روسية من تداعيات دخول قانون «العملاء الأجانب» حيز التنفيذ في غضون أيام. ودعا بعضها الغرب إلى تبنّي عقوبات ضد مسؤولين روس، في حين استعدت موسكو لتوسيع المواجهة مع واشنطن حول ملف حقوق الإنسان مع اقتراب موعد المصادقة على «لائحة ماغنيتسكي» في الكونغرس الأميركي. وبدأت ملامح المواجهة الجديدة بين موسكو والغرب تتبلور بقوة، مع تغيير طرأ على عنوانها الأساسي أخيراً. وفي حين كان الملف الخلافي الأكثر سخونة في السنوات الأخيرة يتعلّق بنيات نشر الدرع الصاروخية الأميركية على مقربة من حدود روسيا مع أوروبا، ومساعي توسيع حلف الأطلسي شرقاً، فإن هاتين المشكلتين تراجعتا إلى المرتبة الثانية لتتصدر السجالات الروسية - الغربية مسألة انتهاكات حقوق الإنسان والخطوات الهادفة للتضييق على نشاط مؤسسات المجتمع المدني في البلاد. وشكّل تبني قانون «العملاء الأجانب» الذي أقره مجلس الدوما (البرلمان) قبل شهور، نقطة تحوّل أساسية، على صعيد توسيع الهوة والدخول في مواجهة مفتوحة بين مؤسسات المجتمع المدني المدعومة بقوة من الغرب والسلطات الروسية. ووضع القانون الذي ينتظر أن يوقعه الرئيس فلاديمير بوتين مطلع الأسبوع المقبل، قيوداً مشددة على عمل المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني التي تحصل على تمويل من خارج روسيا، وظهرت أولى تجلياته قبل نحو شهر عندما أعلنت وكالة التمنية الأميركية وقف نشاطها في روسيا تلبية لطلب رسمي من جانب موسكو. كما أعلنت منظمات حقوقية أن هذا القرار سيؤدي إلى وقف مئات البرامج الإنسانية والتنموية التي يستفيد منها ملايين الروس. وحذرت منظمات روسية أمس، من أن دخول القانون حيز التنفيذ بعد توقيع بوتين عليه ستكون له آثار كارثية خصوصاً مع تزايد المخاوف من ملاحقة الناشطين الحقوقيين وتشديد الرقابة على تحركاتهم. وطالبت رئيسة مكتب موسكو في منظمة «هلسنكي» الحقوقية لودميلا أليكسييفا الغرب بفرض عقوبات على الشخصيات والمؤسسات الروسية التي تساهم في التضييق على منظمات المجتمع المدني والحريات. ويتزامن هذا التطور مع تصعيد في اللهجة الروسية ضد تبنّي قانون «لائحة ماغنيتسكي» المثير للجدل في الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. وتضم اللائحة أسماء 65 شخصية روسية بينهم موظفون في النيابة العامة وأجهزة التحقيق والجهاز القضائي ومصلحة السجون وغيرها من مؤسسات الدولة، القاسم المشترك بينهم أداؤهم أدواراً مختلفة في قضية اعتقال المحامي سيرغي ماغنيتسكي على خلفية اتهامات بتهرّب ضريبي في العام 2008، ثم عدم تقديم المساعدة الطبية له مع تعرّضه للتعذيب في السجن ما أدى إلى وفاته خلف القضبان في العام التالي. وكان ماغنيتسكي أعلن عن اكتشافه آلية تتبعها شبكة ضخمة تضم جنرالات في الداخلية والأجهزة الأمنية للاستيلاء على أموال شركات خاصة، بعد اتهامها بالتهرّب الضريبي واعتقال مسؤوليها. لكن اعتقال المحامي ثم وفاته في ظروف غامضة أغلقا ملف القضية التي كشف عنها. ودفع الحادث بلدان أوروبية إلى وضع لائحة بأسماء المتورطين بقضية ماغنيتسكي، وفرض عقوبات عليهم بينها منعهم من السفر إلى أوروبا وحجز على أموالهم وممتلكاتهم في بلدانها. وانضمت الولاياتالمتحدة إلى العقوبات عبر قانون حمل اسم اللائحة ذاتها ينتظر أن يوقعه الرئيس باراك أوباما قبل نهاية العام. واللافت أن قضية ماغنيتسكي تحولت إلى محرك لتنشيط مسألة الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان في روسيا، وبحسب مصادر نيابية أميركية فإن القانون الجديد يفتح المجال أمام إضافة أي مسؤول روسي يثبت تورطه في قضايا فساد أو انتهاكات لحقوق الإنسان في المستقبل. وأثار هذا التوجه غضب موسكو ولوّح الكرملين قبل يومين، ب «رد متكافئ من جانب روسيا». وأشارت الخارجية إلى أنه «إذا أعتقد أحد في الكونغرس الأميركي أنه يمكن التحدّث مع روسيا بلغة العقوبات والإنذارات الأخيرة تحت حجة الحرص على حقوق الإنسان، فليس لهذا الموقف أي آفاق».