ليست مناسبة عادية تلك التي تستعد دولة الكويت للاحتفاء بها هذا الشهر، هي اعتادت احياء ذكرى الاستقلال وذكرى التحرير من الغزو العراقي والاحتفال بالدستور وباستضافة اللقاءات العربية والاقليمية والدولية البارزة، لكن المناسبة هذه المرة هي اختيار الاممالمتحدة لها «مركزاً انسانياً دولياً» وتسمية اميرها الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح « قائداً انسانياً». درجت الاممالمتحدة على تكريم شخصيات عامة بتسميتها سفراء لها، خصوصاً في المجال الإنساني، الا ان اختيار دولة بعينها «مركزاً للعمل الانساني» وتسمية رئيسها «قائداً انسانياً» هما سابقة تسجل وتثير اسئلة عن معنى الاختيار بالنسبة الى دولة مثل دولة الكويت، في منطقة تتلاطم فيها امواج المشاريع المتضاربة وتتقاتل المصالح ويدفع الناس دفعاً الى تصادم يختلط فيه التعصب بالجهل وأحلام الديموقراطية برغبات التسلط والديكتاتورية، فيزدهر الإرهاب وتخرق الحدود وتضطر دول مستقرة، الى تخصيص جهود وإمكانات مضاعفة لمكافحة آفة العصر بدل ان تذهب تلك الجهود والإمكانيات الى مشاريع التنمية. اطلق فكرة التكريم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في اختتام المؤتمر الدولي الثاني للمانحين من اجل نازحي ومشردي الحرب السورية الذي استضافته الكويت مطلع العام الجاري، بعد ان استضافت المؤتمر الأول قبل عام واحد. يومها اطل بان كي مون عبر تلفزيون الكويت ليصف الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بأنه زعيم انساني والكويت بأنها مركز انساني عالمي. كان بان كي مون، من جهة، يرد الجميل لدولة استجابت نداءاته مرتين استضافت فيهما اوسع اجتماعين دوليين اسفرا عن اقرار تقديم مساعدات تفوق بليونين ونصف البليون دولار للمحتاجين السوريين داخل بلدهم وللنازحين الى دول الجوار، ومن جهة ثانية يستذكر تاريخاً من الجهد والعطاء كان فيه امير الدولة رائداً في ما يمكن تسميته «ديبلوماسية العمل الإنساني» التي تحولت معه الى جزء لا يتجزأ من سياسة الكويت الخارجية. هذا النهج في العمل الخيري نجد له امثلة في تقاليد قادة الدول الخليجية خصوصاً في السعودية التي ترجمته في ابهى الصور عندما تعرضت الكويت للغزو العراقي، وعندما استقلت الكويت في مطلع الستينات وكانت الدولة الخليجية الثانية بعد السعودية تحقق استقلالها، جعلت من مبدأ المساعدة نهجاً ثابتاً، ويذكرون في الكويت في هذا المجال قول الأمير الراحل عبدالله السالم ابان الثورة الجزائرية:»كلما اتسعت اموالنا زدنا في المساعدة... ولا نتقيد بموازنة ولا نحدد المدد بعدد». وفي تلك الفترة (1963)، وكان معظم دول ساحل الخليج لا يزال تحت سيطرة البريطانيين، تولى الأمير صباح الأحمد وزارة الخارجية في الكويت المستقلة ومعها رئاسة اللجنة الكويتية الدائمة لمساعدات الخليج العربي. وتحت اشرافه قدمت المنح والمساعدات الى اليمنين الشمالي والجنوبي وإلى عمان وصولاً الى السودان ونالت الإمارات عشية استقلالها دعماً في مجال التعليم حيث انشأت الكويت فيها 43 مدرسة عمل فيها 850 مدرساً يحتضنون آلاف التلامذة بتغطية شاملة. كثيرون يعرفون ويلمسون حجم الانخراط الكويتي التنموي والإنساني منذ اكثر من نصف قرن. وتمت ترجمة ذلك الانخراط عبر الصناديق والهبات والمعونات والتبرعات، وفي لبنان الذي عانى حروباً واعتداءات اسرائيلية شواهد حية على الدعم الكويتي وإلى جانبه السعودي والإماراتي، في كل طريق وجسر ومدرسة ومستشفى. وفي فلسطين يشهدون على دعم مماثل، اما سورية فقد استأثرت باهتمام كويتي خاص خلال محنتها المستمرة ، وهذا ما استحقته مصر لمساعدتها في الخروج من مشاريع التسلط الى مشاريع البناء والدولة. استحقت الكويت وأميرها التكريم واللقب: قائد انساني لمركز انساني، ويعرف الكويتيون وأصدقاؤهم قيمة هذا التكريم الدولي. الا اننا جميعاً في هذه المنطقة الملتهبة والخطرة ندرك ان العمل الإنساني وحده لن يكون كافياً لمواجهة الأخطار، فهناك جهد سياسي وديبلوماسي ينبغي بذله من اجل ايجاد الحلول للمشكلات المطروحة في مشرق العالم العربي ومغربه وفي انحاء اخرى من العالم، وهذا الجهد ينبغي ان يسير جنباً الى جنب مع عمليات اغاثة الشعوب المتضررة ومساعدتها في اعادة بناء حياتها وأوطانها. ولا شك في ان القدرة على ممارسة الدورين متوافرة في الكويت التي لا تنقص قادتها الرغبة في القيام بهما. * صحافي من أسرة «الحياة»